فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

{ وكذلك } أي مثل ذلك التمكين العجيب { مكنا ليوسف } أي جعلنا له مكانا { في الأرض } أي أرض مصر . روي أنها كانت أربعين فرسخا في أربعين والتمكين عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى لا ينازعه منازع فيما يراه ويختاره وصار الملك يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه في كل ما رأى وكان في حكم التابع وصار الناس يعملون على أمره ونهيه .

{ يتبوأ منها حيث يشاء } أي ينزل منها حيث أراد بعد الضيق والحبس ويتخذها مباءة وهو عبارة عن كمال قدرته كما تقدم وكأنه يتصرف في الأرض التي أمرها إلى سلطان مصر كما يتصرف الرجل في منزله . وفي القصة أن الملك توجه وختمه وولاه مكان العزيز وعزله فمات بعد ، فزوجه امرأته فوجدها عذراء وولدت له ولدين وأقام العدل بمصر ودانت له الرقاب قاله السيوطي .

وعن ابن زيد أن يوسف عليه السلام تزوج امرأة العزيز فوجدها بكرا ، وكان زوجها عنينا ، وقد استدل بهذه الآية على أنه يجوز تولي الأعمال من جهة السلطان الجائر بل الكافر لمن وثق من نفسه بالقيام بالحق ، وقد قدمنا الكلام مستوفى على هذا في قوله سبحانه { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا } قال مجاهد : ولم يزل يوسف من الناس فذلك قوله { وكذلك مكنا } الخ .

{ نصيب برحمتنا من نشاء } من العباد فنرحمه في الدنيا بالإحسان إليه والإنعام عليه وفي الآخرة بإدخاله الجنة وإنجائه من النار { ولا نضيع أجر المحسنين } في أعمالهم الحسنة التي هي مطلوبنا منهم أي لا نضيع ثوابهم فيها ومجازاتهم عليها .