الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

وقوله سبحانه : { وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض } [ يوسف : 56 ] .

الإِشارة ب«ذلك » إِلى جميع ما تقدَّم من جميلِ صنعِ اللَّه به ، فروي أن العزيز ماتَ في تلك الليالي ، وقال ابنُ إِسحاق : بل عَزَلَه المَلِكُ ، ثم مات أظفير ، فولاه المَلِكُ مكانَهُ ، وَزَوَّجَه زوجَتَهُ ، فلما دخَلَتْ علَيْه عَرُوساً ، قال لها : أَلَيْسَ هذا خيراً مما كُنْتِ أردتِّ ، فدخَلَ يوسُفُ بها ، فَوَجَدَهَا بكْراً ، وولَدَتْ له ولدَيْنِ ، ورُوِيَ أيضاً أَنَّ الملك عزَلَ العزيزَ ، وولَّى يوسُفَ موضعَهُ ، ثم عظُمَ مُلْكُ يوسُفَ وتغلَّب على حالِ المَلِكِ أجمع ، قال مجاهدٌ : وأسْلَمَ المَلِكِ آخِرَ أمْره ، ودَرَسَ أمر العزيز ، وذهبتْ دنياه ، وماتَ ، وافتقرت زوجته ، وشاخَتْ ، فلما كان في بعض الأيامِ ، لَقِيَتْ يوسُفَ في طريقٍ ، والجنودُ حوله ووراءه ، وعلى رأسه بُنُودٌ عليها مكتوبٌ : { هذه سَبِيلِي أَدْعُوا إلى الله على بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتبعني وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين } [ يوسف : 108 ] فَصَاحَتْ به ، وقالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ أَعَزَّ العبيدَ بالطَّاعةَ ، وأذَلَّ الأربابَ بالمَعْصِيةِ ، فعرفَهَا ، وقالَتْ له : تَعَطَّفَ عَلَيَّ وارزقني شيئاً ، فدعا لها ، وكلَّمها ، وأشفَقَ لحالها ودعا اللَّه تعالى فرَدَّ عليها جمالَهَا ، وتزوَّجها ، ورُوِيَ في نحو هذا مِنَ القصص ما لا يُوقَفُ على صحَّته ، ويطولُ الكلامُ بسَوْقه ، وباقي الآية بيِّن واضحٌ للمستبصرين ، ونورٌ وشفاءٌ لقلوب العارفين .

وقوله : «لِيُوسُفَ » : أبو البقاء : اللام زائدةٌ ، أي : مَكَّنّا يُوسُفَ ، ويجوز ألا تكون زائدة ، فالمفعول محذوفٌ ، أي : مكنا ليوسف الأمورَ . انتهى .