قوله تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة } أي قومك . وقيل : من كان على دينك ، كقوله تعالى : ( وكان يأمر أهله بالصلاة ) { واصطبر عليها } أي : اصبر على الصلاة ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر { لا نسألك رزقاً } لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا ، ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملاً { نحن نرزقك والعاقبة } الخاتمة الجميلة المحمودة { للتقوى } أي لأهل التقوى . قال ابن عباس : الذين صدقوك واتبعوك واتقوني . وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية .
{ 132 } { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }
أي : حث أهلك على الصلاة ، وأزعجهم إليها من فرض ونفل . والأمر بالشيء ، أمر بجميع ما لا يتم إلا به ، فيكون أمرا بتعليمهم ، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها .
{ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي : على الصلاة بإقامتها ، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها ، فإن ذلك مشق على النفس ، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك ، والصبر معها دائما ، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به ، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم ، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع ، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق ، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه ، فقال : { نَحْنُ نَرْزُقُكَ } أي : رزقك علينا قد تكفلنا به ، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم ، فكيف بمن قام بأمرنا ، واشتغل بذكرنا ؟ ! ورزق الله عام للمتقي وغيره ، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية ، وهو : التقوى ، ولهذا قال : { وَالْعَاقِبَةُ } في الدنيا والآخرة { لِلتَّقْوَى } التي هي فعل المأمور وترك المنهي ، فمن قام بها ، كان له العاقبة ، كما قال تعالى { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }
( وأمر أهلك بالصلاة ) . . فأول واجبات الرجل المسلم أن يحول بيته إلى بيت مسلم ؛ وأن يوجه أهله إلى أداء الفريضة التي تصلهم معه بالله ، فتوحد اتجاههم العلوي في الحياة . وما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله .
( واصطبر عليها ) . . على إقامتها كاملة ؛ وعلى تحقيق آثارها . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . وهذه هي آثارها الصحيحة . وهي في حاجة إلى اصطبار على البلوغ بالصلاة إلى الحد الذي تثمر فيه ثمارها هذه في المشاعر والسلوك . وإلا فما هي صلاة مقامة . إنما هي حركات وكلمات .
هذه الصلاة والعبادة والاتجاه إلى الله هي تكاليفك والله لا ينال منها شيئا . فالله غني عنك وعن عبادة العباد : ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )إنما هي العبادة تستجيش وجدان التقوى ( والعاقبة للتقوى ) . فالإنسان هو الرابح بالعبادة في دنياه وأخراه . يعبد فيرضى ويطمئن ويستريح . ويعبد فيجزى بعد ذلك الجزاء الأوفى . والله غني عن العالمين .
ثم أمره تعالى بأن يأمر أهله بالصلاة وتمثيلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها ويتكفل هو برزقه لا إله إلاَّ هو ، وأخبره أن العاقبة الأولى التقوى وفي حيزها فثم نصر الله في الدنيا ورحمته في الآخرة ، وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخل في عمومه جميع أُمته . وروي أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم بادر إلى منزله فدخله وهو يقرأ { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا } الآية إلى قوله { وأبقى } . ثم ينادي بالصلاة الصلاة يرحمكم الله ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة الليل ويصلي هو ويتمثل بهذه الآية{[8187]} ، وقرأ الجمهور «نحن نرزقُك » بضم القاف ، وقرأت فرقة «نزرقْك » بسكونها .
ذِكر الأهل هنا مقابل لذِكر الأزواج في قوله { إلى ما متعنا به أزواجاً منهم } [ طه : 131 ] فإن من أهل الرجل أزواجَه ، أي مِتْعَتُك ومتعةُ أهلك الصلاةُ فلا تلفتوا إلى زَخَارف الدنيا . وأهل الرجل يكونون أمثل من ينتمون إليه .
ومن آثار العمل بهذه الآية في السنّة ما في « صحيح البخاري » : أن فاطمة رضي الله عنها بلغها أن سبياً جيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتت تشتكي إليه ما تلقى من الرحى تسأله خادماً من السبي فلم تجده . فأخبرت عائشةُ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءَها النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخذت وعليّ مضجعَهما فجلس في جانب الفراش وقال لها ولِعَليّ : " ألا أُخبِركُما بخير لكما مما سألتما تسبّحان وتحمدان وتكبران دُبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين فذلك خير لكما من خادم "
وأمَر الله رسوله بما هو أعظم مما يأمر به أهله وهو أن يصْطبر على الصلاة . والاصطبار : الانحباس ، مطاوع صبره ، إذا حبسه ، وهو مستعمل مجازاً في إكثاره من الصلاة في النوافل . قال تعالى : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } [ المزمل : 1 ] الآيات ، وقال { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } [ الإسراء : 79 ] .
وجملة { لا نسألك رزقاً } معترضة بين التي قبلها وبين جملة { نحن نرزقك } جعلت تمهيداً لهاته الأخيرة .
والسؤال : الطلب التكليفي ، أي ما كلفناك إلاّ بالعبادة ، لأنّ العبادة شكر لله على ما تفضل به على الخلق ولا يطلب الله منهم جزاءً آخر . وهذا إبطال لما تعوده الناس من دفع الجبايات والخراج للملوك وقادة القبائل والجيوش . وفي هذا المعنى قوله تعالى : { وما خلفت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } [ الذاريات : 56 58 ] ، فجملة { نحن نرزقك } مبيّنة لجملة { ورزق ربك خير وأبقى } [ طه : 131 ] . والمعنى : أنّ رزق ربّك خير وهو مسوق إليك .
والمقصود من هذا الخطاب ابتداءً هو النبي صلى الله عليه وسلم ويشمل أهلَه والمؤمنين لأنّ المعلّل به هذه الجملة مشترك في حكمه جميع المسلمين .
وجملة { والعاقبة للتقوى } عطف على جملة { لا نسألك رزقاً } المعلّل بها أمره بالاصطبار للصلاة ، أي إنا سألناك التقوى والعاقبة .
وحقيقة العاقبة : أنها كل ما يعقب أمراً ويقع في آخره من خير وشر ، إلا أنها غلب استعمالها في أمور الخير . فالمعنى : أنّ التقوى تجيء في نهايتها عواقب خير .
واللام للملك تحقيقاً لإرادة الخير من العاقبة لأنّ شأن لام الملك أن تدل على نوال الأمر المرغوب ، وإنما يطرد ذلك في عاقبة خير الآخرة . وقد تكون العاقبة في خير الدنيا أيضاً للتقوى .
وهذه الجملة تذييل لما فيها من معنى العموم ، أي لا تكون العاقبة إلا للتقوى . فهذه الجملة أرسلت مجرى المثل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.