السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

ولما أمر الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتزكية النفس أمره بأن يأمر أهله بالصلاة بقوله عز وجل : { وأمر أهلك بالصلاة } أي : أمر أهل بيتك والتابعين لك من أمتك بالصلاة كما كان أبوك إسماعيل عليه السلام يدعوهم إلى كل خير إذ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وليتعاونوا على الاستعانة على خصاصتهم ، ولا يهتموا بأمر المعيشة ، ولا يلتفتوا لفت أرباب الثروة ، وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية يذهب إلى فاطمة وعلي رضي الله عنهما كل صباح ويقول : الصلاة { واصطبر } أي : داوم { عليها لا نسألك } أي : نكلفك { رزقاً } لنفسك ولا لغيرك { نحن نرزقك } وغيرك كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 56 ما أريد منهم من رزق وما أريد إن يطعمون 57 إن الله هو الرازق ذو القوة المتين } [ الذاريات ، 56 - 58 ] ففرِّغ بالك لأمور الآخرة ، وفي معناه قول الناس : من كان في عمل الله كان الله في عمله .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصاب أهله ضرٌّ أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية ، وعن عروة بن الزبير أنه كان إذا رأى ما عند السلطان قرأ : { ولا تمدن عينيك } الآية ، ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله وعن بكر بن عبد الله المزني كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا فصلوا بهذا أمر الله رسوله ، ثم يتلو هذه الآية : { والعاقبة } أي : الجميلة المحمودة { للتقوى } أي : لأهل التقوى قال ابن عباس : الذين صدقوك واتبعوك واتقوني ، ويؤيده قوله تعالى في موضع آخر : { والعاقبة للمتقين } [ الأعراف ، 128 ] ، ولا معونة على الرزق وغيره بشيء يوازي الصلاة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أي بالباء الموحدة أي : إذا أحزنه فزع إلى الصلاة قال ثابت : وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تعالى : تفرغ لعبادتي املأ صدرك غنى وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك » ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبت به هموم أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك » وعن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة همه جمع الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة " .