الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ، ويمتثلها معهم ويَصْطَبِر عليها ويلازمها ، وتكفَّل هو تعالى برزْقِهِ لا إله إلاَّ هو ، وأخبره أن العَاقِبَةَ للمتقِينَ بنصره في الدنيا ، ورحمته في الآخرة ، وهذا الخطابُ للنبي صلى الله عليه وسلم ويدخل في عُمُوْمِهِ : جميعُ أمته ، ورُوِيَ : أنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي اللّه عنه كان إذا رأى شيئاً من أخبار السلاطين وأحوالهم ، بادر إلَى منزله ، فدخله وهو يقول : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } إلى قوله { وأبقى } ثم يُنَادِي : الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ رَحِمَكُمُ اللّهُ ، ويصلي .

وكان عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ رضي اللّه عنه يوقِظُ أَهْلَ دَارِهِ لِصَلاَةِ اللَّيْلِ ويصلِّي ، هو يتمثَّلُ بالآية ، قال الداودي : وعن عَبْدِ اللّهُ بْنِ سَلاَمٍ ، قال : ( كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله ضِيقٌ أوْ شِدَّةٌ أمرهم بالصَّلاَةِ ، ثم قرأَ : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة } إلى قوله { للتقوى } انتهى .

قال ابن عطاء اللَّه في «التنوير » ( واعلم أنَّ هذه الآية علمت أهل الفَهْم عن اللَّه تعالى كَيْفَ يطلبون رزقَهُم ، فإذَا توقفت عليهم أسباب المعيشة ، أكثروا من الخِدْمة والموافقة ، وقَرَعُوا بابَ الرِّزْقِ بمعاملة الرزَّاق جل وعلا ثم قال : وسمعتُ شَيْخَنَا أَبَا العَبَّاس المُرْسِي رضي اللَّه عنه يقول : واللَّه مَا رَأَيْتَ العزَّ إلاَّ في رفع الهِمّة عن الخلق ، واذكر رحمك اللَّه هنا : { وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] .

ففي العز الذي أَعزّ اللَّه به المؤمن رفْعُ همته إلى مولاه ، وثقتُه به دُونَ مَنْ سِوَاهُ ، واستحي من اللَّه بعد أن كساك حُلّة الإيمان ، وزينك بزينة العِرْفان أن تستولي عليك الغفلة والنسيان حتى تميل إلى الأكوان ، أو تطلب من غيره تعالى وجود إحسان ، ثم قال ورفع الهِمَّة عن الخلْقِ : هو ميزانُ ذوي الكمال ومِسْبار الرجال ، كما توزن الذَّواتُ كذلك توزن الأحوالُ والصِّفَاتُ ) انتهى .

ومن كتاب «صفوة التصوف » لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي الحافظ حَدِيثٌ بسنده عن ابن عُمَرَ قال : ( أتَىَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، حَدَّثْنِي حَدِيثاً ، واجعله مُوجَزاً ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( صَلَّ صَلاَةَ مُوَدَّع ، كَأَنَكَ تَرَاهُ ، فَإنْ كُنْتَ لاَ تَرَاهُ ، فَإنَّهُ يُرَاكَ ، وَايَأَس مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، تَعْشِ غَنِيّاً ، وإِيَّاكَ وَمَا يُعَتَذَّرُ مِنْهُ ) ورواه أبو أيوب الأنصاري بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .