معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

قوله تعالى : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } إلى طاعته ، { وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } قال ابن سيرين : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله . وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحاً في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين . وقالت عائشة : أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين . وقال عكرمة : هو المؤذن أبو أمامة الباهلي ، وعمل صالحاً صلى ركعتين بين الأذان والإقامة . وقال قيس بن أبي حازم : هو الصلاة بين الأذان والإقامة .

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ، حدثنا أبو يحيى ابن أبي ميسرة ، حدثنا عبد الله بن زيد المقصري ، حدثنا كهمس بن الحسن ، عن عبد الله ابن بريدة بن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بين كل أذانين صلاة ، ثلاث مرات ثم قال في الثالثة : لمن شاء " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان : لا أعلمه إلا وقد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

{ 33 } { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي : لا أحد أحسن قولا . أي : كلامًا وطريقة ، وحالة { مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ } بتعليم الجاهلين ، ووعظ الغافلين والمعرضين ، ومجادلة المبطلين ، بالأمر بعبادة الله ، بجميع أنواعها ، والحث عليها ، وتحسينها مهما أمكن ، والزجر عما نهى الله عنه ، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه ، خصوصًا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن ، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .

ومن الدعوة إلى الله ، تحبيبه إلى عباده ، بذكر تفاصيل نعمه ، وسعة جوده ، وكمال رحمته ، وذكر أوصاف كماله ، ونعوت جلاله .

ومن الدعوة إلى الله ، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله ، والحث على ذلك ، بكل طريق موصل إليه ، ومن ذلك ، الحث على مكارم الأخلاق ، والإحسان إلى عموم الخلق ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والأمر بصلة الأرحام ، وبر الوالدين .

ومن ذلك ، الوعظ لعموم الناس ، في أوقات المواسم ، والعوارض ، والمصائب ، بما يناسب ذلك الحال ، إلى غير ذلك ، مما لا تنحصر أفراده ، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله ، والترهيب من جميع الشر .

ثم قال تعالى : { وَعَمِلَ صَالِحًا } أي : مع دعوته الخلق إلى الله ، بادر هو بنفسه ، إلى امتثال أمر الله ، بالعمل الصالح ، الذي يُرْضِي ربه . { وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } أي : المنقادين لأمره ، السالكين في طريقه ، وهذه المرتبة ، تمامها للصديقين ، الذين عملوا على تكميل أنفسهم وتكميل غيرهم ، وحصلت لهم الوراثة التامة من الرسل ، كما أن من أشر الناس ، قولاً ، من كان من دعاة الضالين{[775]} السالكين لسبله .

وبين هاتين المرتبتين المتباينتين ، اللتين ارتفعت إحداهما إلى أعلى عليين ، ونزلت الأخرى ، إلى أسفل سافلين ، مراتب ، لا يعلمها إلا الله ، وكلها معمورة بالخلق { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }


[775]:- كذا في النسختين ولعل الصواب (من دعاة الضلال).
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

ويختم هذا الشوط برسم صورة الداعية إلى الله ، ووصف روحه ولفظه ، وحديثه وأدبه . ويوجه إليها رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] وكل داعية من أمته . وكان قد بدأ السورة بوصف جفوة المدعوين وسوء أدبهم ، وتبجحهم النكير . ليقول للداعية : هذا هو منهجك مهما كانت الأمور :

( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال : إنني من المسلمين ! ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم . وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله ، إنه هو السميع العليم ) .

إن النهوض بواجب الدعوة إلى الله ، في مواجهة التواءات النفس البشرية ، وجهلها ، واعتزازها بما ألفت ، واستكبارها أن يقال : إنها كانت على ضلالة ، وحرصها على شهواتها وعلى مصالحها ، وعلى مركزها الذي قد تهدده الدعوة إلى إله واحد ، كل البشر أمامه سواء .

إن النهوض بواجب الدعوة في مواجهة هذه الظروف أمر شاق . ولكنه شأن عظيم :

( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله ، وعمل صالحاً ، وقال : إنني من المسلمين ) .

إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض ، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء . ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الكلمة ؛ ومع الاستسلام لله الذي تتوارى معه الذات . فتصبح الدعوة خالصة لله ليس للداعية فيها شأن إلا التبليغ .

ولا على الداعية بعد ذلك أن تتلقى كلمته بالإعراض ، أو بسوء الأدب ، أو بالتبجح في الإنكار . فهو إنما يتقدم بالحسنة . فهو في المقام الرفيع ؛ وغيره يتقدم بالسيئة . فهو في المكان الدون :

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

{ ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } إلى عبادته . و{ عمل صالحا } فيما بينه وبين ربه . { وقال إنني من المسلمين } تفاخرا به واتخاذا للإسلام دينا ومذهبا من قولهم : هذا قول فلان لمذهبه . والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات . وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في المؤذنين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

وقوله تعالى : { ومن أحسن قولاً } الآية ابتداء توصية محمد عليه السلام ، وهو لفظ يعم كل من دعا قديماً وحديثاً إلى الله تعالى وإلى طاعته من الأنبياء والمؤمنين ، والمعنى : لا أحد أحسن قولاً ممن هذه حاله ، وإلى العموم ذهب الحسن ومقاتل وجماعة ، وبين أن حالة محمد عليه السلام كانت كذلك مبرزة إلى تخصيصه بالآية ذهب السدي وابن زيد وابن سيرين . وقال قيس بن أبي حازم وعائشة أم المؤمنين وعكرمة : نزلت هذه الآية في المؤذنين . قال قيس : { وعمل صالحاً } هو الصلاة بين الآذان والإقامة . وذكر النقاش ذلك عن ابن عباس . ومعنى القول بأنها في المؤذنين أنهم داخلون فيها ، وأما نزولها فبمكة بلا خلاف ولم يكن بمكة آذان وإنما ترتب بالمدينة ، وإن الآذان لمن الدعاء إلى الله تعالى ولكنه جزء منه . والدعاء إلى الله بقوة كجهاد الكفار وردع الطغاة وكف الظلمة وغيره أعظم غناء من تولي الأذان إذ لا مشقة فيه ، والأصوب أن يعتقد أن الآية نزلت عامة . قال زيد بن علي المعنى : دعا إلى الله بالسيف .

وقرأ الجمهور : «إنني » بنونين . وقرأ ابن أبي عبلة : «إني » بنون واحدة .

وقال فضيل بن رفيدة{[10077]} : كنت مؤذناً في أصحاب ابن مسعود ، فقال لي عاصم بن هبيرة : إذا أكملت الآذان فقل : { إنني من المسلمين } ثم تلا هذه الآية .


[10077]:في القرطبي: (فضيل بن رديفة).