قوله تعالى : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله } . عبيداً وملكاً .
قوله تعالى : { وإنا إليه راجعون } . في الآخرة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا محاضر ابن الموزع ، أخبرنا سعيد ، عن عمر بن كثير ، أنا أفلح ، أخبرنا مولى أم سلمة ، عن سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها .
قالت أم سلمة : لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها . فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام . ألا تسمع إلى قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام ( يا أسفى على يوسف ) .
ثم وصفهم بقوله : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره .
{ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها ، فقد تصرف أرحم الراحمين ، بمماليكه وأموالهم ، فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد ، علمه ، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم ، الذي أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك ، الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعر بذلك ، ومع أننا مملوكون لله ، فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، فمجاز كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جزعنا وسخطنا ، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجع إليه ، من أقوى أسباب الصبر .
وأهم من هذا كله ، أو القاعدة لهذا كله . . الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتوارى الأوهام وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده . وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات ، وتتفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مد البصر . . لا شيء إلا الله . . لا قوة إلا قوته . . لا حول إلا حوله . . لا إرادة إلا إرادته . . لا ملجأ إلا إليه . . وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح . .
والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق :
( وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) . .
إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ، وبالتصور الصحيح .
هؤلاء هم الصابرون . . الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل . .
ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون{[2978]} الذين شكرهم ، قال : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي : تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم ، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما{[2979]} يشاء ، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة ، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده ، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى : { الّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنّا للّهِ وَإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
يعني تعالى ذكره : وبشر يا محمد الصابرين ، الذين يعلمون أن جميع ما بهم من نعمة فمني ، فيقرّون بعبوديتي ، ويوحدونني بالربوبية ، ويصدّقون بالمعاد والرجوع إليّ فيستسلمون لقضائي ، ويرجون ثوابي ويخافون عقابي ، ويقولون عند امتحاني إياهم ببعض محني ، وابتلائي إياهم بما وعدتهم أن أبتليهم به من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من المصائب التي أنا ممتحنهم بها . إنا مماليك ربنا ومعبودنا أحياء ونحن عبيده وإنا إليه بعد مماتنا صائرون تسليما لقضائي ورضا بأحكامي .
وصفُ الصابرين بأنهم : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا } الخ لإفادة أن صبرهم أكمل الصبر إذ هو صبر مقترن ببصيرة في أمر الله تعالى إذ يعلمون عند المصيبة أنهم مِلْك لله تعالى يتصرف فيهم كيف يشاء فلا يجزعون مما يأتيهم ، ويعلمون أنهم صائرون إليه فيثيبهم على ذلك ، فالمراد من القول هنا القولُ المطابق للاعتقاد إذ الكلام إنما وُضع للصدق ، وإنما يكون ذلك القول معتبراً إذا كان تعبيراً عما في الضمير فليس لمن قال هاته الكلمات بدون اعتقاد لها فضل وإنما هو كالذي ينعق بما لا يَسْمَع ، وقد علَّمهم الله هذه الكلمة الجامعة لتكون شعارهم عند المصيبة ، لأن الاعتقاد يقوى بالتصريح لأن استحضار النفس للمدرَكات المعنوية ضعيف يحتاج إلى التقوية بشيء من الحِسّ ، ولأن في تصريحهم بذلك إعلاناً لهذا الاعتقاد وتعليماً له للناس .
والمصيبة يأتي الكلام عليها عند قوله تعالى : { فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي } [ النساء : 72 ] في سورة النساء .
والتوكيد بإنّ في قولهم : { إنا لله } لأن المقام مقام اهتمام ، ولأنه ينزل المصاب فيه منزلة المنكر كونه مِلْكاً لله تعالى وعبداً له إذ تنسيه المصيبة ذلك ويحول هولها بينه وبين رشده ، واللام فيه للملك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.