فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

وفي توصيف الصابرين بقوله تعالى { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } إشارة إلى أن الأجر لمن صبر وقت إصابتها كما في الخبر " إنما الصبر عند أول صدمة " والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه في نفس أو مال أو أهل – قليلا كان المكروه أو كثيرا- حتى لذغ الشوكة ولسع البعوضة وانقطاع الشسع ، وانطفاء المصباح ، وقد استرجع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال ( كل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة له وأجر ) وليس الصبر بالاسترجاع باللسان بل بالصبر باللسان وبالقلب بأن يخطر بباله ما خلق لأجله من معرفة الله تعالى وتكميل نفسه وأنه راجع إلى ربه وعائد إليه بالبقاء السرمدي ]{[539]} .

روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول { إنا لله وإنا إليه راجعون } اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ) قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيرا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم{[540]} .

وأخرج مسلم عن أبي سعيد وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته ) .


[539]:ما بين العلامتين [ ] من روح المعاني.
[540]:ورواه أحمد عنها قالت أتاني أبو سلمة يوما فقال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سررت به قال (لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ويقول اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به} فحفظت ذلك منه فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها ثم رجعت إلى نفسي فقلت من أين لي خير من أبي سلمة فلما انقضت عدتي استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدبغ إهابا لي فغسلت يدي من القرظ وأذنت له فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد عليها فخطبني إلى نفسي فلما فرغ من مقالته قلت يا رسول الله ما بي أن لا أكون بك الرغبة ولكني امرأة في غيرة شديدة فأخاف أن ترى مني سيئا يعذبني الله به وأنا امرأة قد دخلت في السن وأنا ذات عيال فقال (أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عز وجل عنك وأما ما ذكرت منك في السن فقد أصابني مثل الذي أصابك وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي) قالت سلمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت أم سلمة فقد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم.