محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

{ . . . وبشّر الصابرين 155 الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون 156 } .

ثم بيّن تعالى ما للصابرين عنده بقوله : { وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة } مكروه ، اسم فاعل من أصابته شدة : لحقته . أي كهذه البلايا { قالوا إنا لله } أي ملكا وخلقا ، فلا ينبغي أن نخاف غيره ، لأنه غالب على الكل . أو نبالي بالجوع ، لأن رزق العبد على سيده ، فإن مُنع وقتا ، فلا بد أن يعود إليه . وأموالنا وأنفسنا وثمراتنا ملك له ، فله أن يتصرف فيها بما يشاء { وإنا إليه راجعون } في الدار الآخرة . فيحصل لنا عنده ما فوّته علينا . لأنه لا يضيع أجر المحسنين . فالمصاب يهون عليه خطبه ، إذا تسلّى بقوله هذا ، وتصور ما خلق له ، وأنه راجع إلى ربه ، وتذكر نعم الله عليه ، ورأى أن ما أبقى عليه أضعاف ما استرده منه . قال الراغب : وليس يريد بالقول اللفظ فقط ، فإن التلفظ بذلك مع الجزع القبيح وتسخط القضاء ، ليس يغني شيئا . وإنما يريد تصور ما خلق الإنسان لأجله والقصد له ، والاستهانة بما يعرض في طريق الوصول إليه . فأمر تعالى ببشارة من اكتسب العلوم الحقيقية وتصورها وقصد هذا المقصد ووطن نفسه عليه .

( ثم قال ) إن قيل : ولم قلت : إن الأمر بالصبر يقتضي العلم ؟ قيل : الصبر في الحقيقة إنما يكون لمن عرف فضيلة مطلوبه .