معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أو زد عليه } على النصف إلى الثلثين ، خيره بين هذه المنازل ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير ، وكان الرجل لا يدري متى ثلث الليل ومتى نصف الليل ومتى الثلثان ، فكان الرجل يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب ، واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهم الله تعالى وخفف عنهم ونسخها بقوله : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى }( المزمل-20 ) الآية . فكان بين أول السورة وآخرها سنة .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرايني ، أنبأنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان ، حدثنا يحيى بن بشر ، حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام قال : " انطلقت إلى عائشة فقلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى ، قالت : فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن ، قلت : فقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم المؤمنين ؟ قالت : ألست تقرأ : { يا أيها المزمل } قلت : بلى ، قالت : فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء ، ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد الفريضة " . قال مقاتل وابن كيسان : كان هذا بمكة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ، ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس . { ورتل القرآن ترتيلاً } قال ابن عباس : بينه بياناً . وقال الحسن : اقرأه قراءة بينة . وقال مجاهد : ترسل فيه ترسلاً . وقال قتادة : تثبت فيه تثبتاً . وعن ابن عباس أيضاً : اقرأه على هينتك ثلاث آيات أو أربعاً أو خمساً .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عمرو بن عاصم ، حدثنا هشام عن قتادة قال : " سئل أنس كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مداً ، ثم قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله ، ويمد الرحمن ويمد الرحيم " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا آدم ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة قال : سمعت أبا وائل قال : " جاء رجل إلى ابن مسعود ، قال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذاً كهذا الشعر ؟ لقد عرفت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن ، فذكر عشرين سورة من المفصل سورتين في كل ركعة " .

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن مثويه ، أنبأنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي الحسين الحراني فيما كتبه إلي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن حميد الواسطي ، حدثنا زيد بن آجروم ، حدثنا محمد بن الفضل ، حدثنا سعيد بن زيد ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله -يعني ابن مسعود- قال : لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة " .

أخبرنا أبو جعفر أحمد بن أبي أحمد بن منويه ، أنبأنا الشريف أبو القاسم علي ابن محمد بن علي الحسين الحراني كتب إلي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري ، حدثنا أبو محمد بن يحيى بن محمد بن ساعد ، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، حدثنا ابن المبارك الحنبلي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنبانا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحرث ، أنبأنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن عبيدة وهو أخوه عن سهل بن سعد الساعدي قال : " بينا نحن نقرأ إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر ، والأسود ، والأبيض ، اقرؤوا القرآن قبل أن يأتي أقوام يقرؤونه ، يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم ، يتعجلون آخره ولا يتأجلونه " .

أخبرنا أبو عثمان الضبي ، أنبأنا أبو محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن إسماعيل بن مسلم العبدي ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة " . رواه أبو ذر ، قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة حتى أصبح بآية والآية : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }( المائدة- 118 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } أي : على النصف ، فيكون الثلثين ونحوها . { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } فإن ترتيل القرآن به يحصل التدبر والتفكر ، وتحريك القلوب به ، والتعبد بآياته ، والتهيؤ والاستعداد التام له ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

( يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا ، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا . إن لك في النهار سبحا طويلا ، واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا . رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) . .

( يا أيها المزمل . . قم . . ) . . إنها دعوة السماء ، وصوت الكبير المتعال . . قم . . قم للأمر العظيم الذي ينتظرك ، والعبء الثقيل المهيأ لك . قم للجهد والنصب والكد والتعب . قم فقد مضى وقت النوم والراحة . . قم فتهيأ لهذا الأمر واستعد . .

وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه [ صلى الله عليه وسلم ] من دفء الفراش ، في البيت الهادئ والحضن الدافئ . لتدفع به في الخضم ، بين الزعازع والأنواء ، وبين الشد والجذب في ضمائر الناس وفي واقع الحياة سواء .

إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحا ، ولكنه يعيش صغيرا ويموت صغيرا . فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير . . فماله والنوم ? وماله والراحة ? وماله والفراش الدافئ ، والعيش الهادئ ? والمتاع المريح ? ! ولقد عرف رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] حقيقة الأمر وقدره ، فقال لخديجة - رضي الله عنها - وهي تدعوه أن يطمئن وينام : " مضى عهد النوم يا خديجة " ! أجل مضى عهد النوم وما عاد منذ اليوم إلا السهر والتعب والجهاد الطويل الشاق !

( يا أيها المزمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا ) . .

إنه الإعداد للمهمة الكبرى بوسائل الإعداد الإلهية المضمونة . . قيام الليل . أكثره أكثر من نصف الليل ودون ثلثيه . وأقله ثلث الليل . . قيامه للصلاة وترتيل القرآن . وهو مد الصوت به وتجويده . بلا تغن ولا تطر ولا تخلع في التنغيم .

وقد صح عن وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] بالليل أنه لم يتجاوز إحدى عشرة ركعة . ولكنه كان يقضي في هذه الركعات ثلثي الليل إلا قليلا ، يرتل فيه القرآن ترتيلا .

روى الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا يحيى بن سعيد - هو ابن أبي عروبة - عن قتادة ، عن زرارة ابن أوفى ، عن سعيد بن هشام . . أنه أتى ابن عباس فسأله عن الوتر فقال : ألا أنبئك بأعلم أهل الأرض بوتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ? قال : نعم . قال : ائت عائشة فسلها ، ثم ارجع إلي فأخبرني بردها عليك . . . ثم يقول سعيد بن هشام : قلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : ألست تقرأ القرآن ? قلت : بلى . قالت : فإن خلق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كان القرآن . فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي قيام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن قيام رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : ألست تقرأ هذه السورة : ( يا أيها المزمل )? قلت : بلى . قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة ؛ فقام رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم . وأمسك الله ختامها في السماء اثني عشر شهرا . ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة ، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فريضة . . فهممت أن أقوم ، ثم بدا لي وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقلت : يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قالت : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله كما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ، ثم يتوضأ ، ثم يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن ، إلا عند الثامنة ، فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو ، ثم ينهض وما يسلم ، ثم يقوم ليصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله وحده ، ثم يدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا . ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني ، فلما أسن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وأخذ اللحم أوتر بسبع ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ، فتلك تسع يا بني . وكان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها . وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو وجع أو مرض صلى من نهار اثنتي عشرة ركعة . ولا أعلم نبي الله [ صلى الله عليه وسلم ] قرأ القرآن كله في ليلة حتى أصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان . . . "

وكان هذا الإعداد للقول الثقيل الذي سينزله الله عليه . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

وقوله : قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : قم الليل يا محمد كله إلا قليلاً منه ، نِصْفَهُ يقول : قم نصف الليل أو انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أوْ زِدْ عَلَيْهِ يقول : أو زد عليه خَيره الله تعالى ذكره حين فرض عليه قيام الليل بين هذه المنازل أيّ ذلك شاء فعل ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما ذُكر يقومون الليل ، نحو قيامهم في شهر رمضان فيما ذُكر حتى خفف ذلك عنهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن مسعر ، قال : حدثنا سماك الحنفي ، قال : سمعت ابن عباس يقول : لما نزل أوّل المزمل ، كانوا يقومون نحوا من قيامهم في رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها قريب من سنة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، عن مِسْعر ، قال : حدثنا سماك ، أنه سمع ابن عباس يقول ، فذكر نحوه . إلا أنه قال : نحوا من قيامهم في شهر رمضان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يزيد بن حيان ، عن موسى بن عبيدة ، قال : ثني محمد بن طَحْلاء مولى أمّ سلمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا يصلي عليه من الليل ، فتسامع به الناس ، فاجتمعوا ، فخرج كالمغضَب ، وكان بهم رحيما ، فخشي أن يُكتب عليهم قيام الليل ، فقال : «يا أيّها النّاسُ اكْلَفُوا مِنَ الأعْمال ما تُطِيقُونَ ، فإنّ الله لا يَمَلّ مِنَ الثّوَابِ حتى تَمَلّوا مِنَ العَمَلِ وخَيْرُ الأعْمالِ ما دُمْتُمْ عَلَيْهِ » ونزل القرآن : يأَيّها المُزّمّلِ قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ، فمكثوا بذلك ثمانية أشهر ، فرأى الله ما يبتغون من رضوانه فرحمهم فردّهم إلى الفريضة وترك قيام الليل .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن موسى بن عبيدة الحميري ، عن محمد بن طحلاء عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : كنت أشتري لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرا ، فكان يقوم عليه من أوّل الليل ، فتسمع الناس بصلاته ، فاجتمعت جماعة من الناس فلما رأى اجتماعهم كره ذلك ، فخشي أن يكتب عليهم ، فدخل البيت كالمغضب ، فجعلوا يتنحنحون ويتسعّلون حتى خرج إليهم ، فقال : «يا أيّها النّاسُ إنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا يعني من الثواب فاكْلَفُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ فإنّ خَيْرَ الَعمَلِ أدْوَمُهُ وَإنْ قَلّ » ونزلت عليه : يأيّها المُزّمّلُ قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً السورة قال : فكتبت عليهم ، وأنزلت بمنزلة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل فيتعلق به فلما رأى الله ما يكلفون مما يبتغون به وجه الله ورضاه ، وضع ذلك عنهم ، فقال : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ . . . إلى عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فردّهم إلى الفريضة ، ووضع عنهم النافلة ، إلا ما تطوّعوا به .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فأمر الله نبيه والمؤمنين بقيام الليل إلا قليلاً ، فشقّ ذلك على المؤمنين ، ثم خفّف عنهم فرحمهم ، وأنزل الله بعد هذا : عَلِمَ أنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ . . . إلى قوله فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فوسع الله وله الحمد ، ولم يضيق .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : لما أنزل الله على نبيه : يأيّها المُزّمّلُ قال : مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم على هذا الحال عشر سنين يقوم الليل كما أمره الله ، وكانت طائفة من أصحابه يقومون معه ، فأنزل الله عليه بعد عشر سنين : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ وثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَكَ . . . إلى قوله : وأقِيمُوا الصّلاةَ فخفّ الله عنهم بعد عشر سنين .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة والحسن ، قالا : قال في سورة المزمل قُمِ اللّيْلِ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أو زِد عَلَيْهِ وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً نسختها الاَية التي فيها : عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنَ القُرْآنِ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قُمِ اللّيْلَ إلاّ قَلِيلاً قاموا حولاً أو حولين حتى انتفخت سوقهم وأقدامهم ، فأنزل الله تخفيفا بعد في آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، . قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن وهب ، عن أبي عبد الرحمن ، قال : لما نزلت : يأيّها المُزّمّلُ قاموا بها حولاً حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت : فاقْرَءُوا ما تَيَسّرَ مِنْهُ فاستراح الناس .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن جرير بياع المُلاء عن الحسن ، قال : الحمد لله تطوّع بعد فريضة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مبارك ، عن الحسن ، قال لما نزلت يأيّها المُزّمّلُ . . . الاَية ، قام المسلمون حولاً ، فمنهم من أطاقه ، ومنهم من لم يطقه ، حتى نزلت الرخصة .

قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزل أوّل المزّمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان ، وكان بين أوّلها وآخرها نحو من سنة .

وقوله : وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً يقول جلّ وعزّ : وبين القرآن إذا قرأته تبيينا ، وترسل فيه ترسلاً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علبة ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : اقرأه قراءة بينة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض . على تؤدة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله الله وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : ترسل فيه ترسلاً .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً فقال : بعضه على أثر بعض .

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا حجاج بن محمد ، قال : قال ابن جريج ، عن عطاء وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : الترتيل النّبْذ : الطّرْح .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال بينه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مِقْسم ، عن ابن عباس وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بيّنه بيانا .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وَرَتّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً قال : بعضه على أثر بعض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

وقوله تعالى : { ورتل القرآن } معناه في اللغة تمهل وفرق بين الحروف لتبين . والمقصد أن يجد الفكر فسحة للنظر وفهم المعاني ، وبذلك يرق القلب ويفيض عليه النور والرحمة . قال ابن كيسان : المراد تفهمه تالياً له ومنه " الثغر الرتل " أي الذي بينه فسح وفتوح . وروي أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت بينة مترسلة لو شاء أحد أن يعد الحروف لعده{[11389]} .


[11389]:في رواية لأبي داود في كتاب الأدب: (كان في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ترتيل وترسيل)، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن أبي مليكة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنكم لا تستطيعونها، فقيل لها: أخبرينا بها، فقرأت قراءة ترسلت فيها، وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمد صوته بالقراءة مدا.