الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ } عائدٌ على النصْفِ وقيل : { نِّصْفَهُ } : بدل من قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } قَالَ أبو البَقَاءِ ، وهو أشْبَهُ بظاهرِ الآيةِ ، انتهى . قال ( ع ) : وكَيْفَ مَا تَقَلَّبَ المعنى فإنه أمْر بقيامِ نصفِ الليلِ ، أو أكْثَر شيئاً أو أقَلَّ شيئاً ، فالأكْثر عند العلماء لا يُزِيدُ على الثُّلثَيْنِ ، والأقَلُّ لاَ يَنْحَطُّ عَن الثلثِ ، ويُقَوِّي هذا حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ في مَبِيتهِ في بيت ميمونة ؛ قال : فلما انْتَصَفَ الليلُ أو قَبْلَه بقليلٍ أو بعده بقليل ، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قال ( ع ) : ويلزمُ على هذا البَدَلِ الذي ذَكَرْنَاه أن يكونَ نصفُ الليل قَدْ وَقَعَ عليه الوصفُ بقليلٍ ، وقَدْ يحتملُ عندي قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } أنْ يكون استثناءً من القيام ، فنجعلُ الليلَ اسْم جِنْسٍ ثم قال : { إِلاَّ قَلِيلاً } أي : إلا الليالي التي تُخِلُّ بقيامِها لعذرٍ ، وَهَذَا النظرُ يَحْسُنُ مَعَ القولِ بالنَّدْبِ جِدًّا ، قال ( ص ) : وهذا النَّظَرُ خلافُ ظاهرِ الآية ، انتهى . والضميرُ في { مِنْهُ } و{ عَلَيْهِ } عائِدَان على النصف .

وقوله سبحانه : { وَرَتِّلِ } : معناه في اللغةِ : تَمَهَّلْ وَفَرِّقْ بَيْنَ الحروفِ ، لَتَبِينَ ، والمقْصِدُ أنْ يَجِدَ الفِكْرُ فُسْحَةً للنَّظَرِ وفَهْمِ المعاني ، وبذلكَ يَرِقُّ القَلْبُ ، ويَفِيضُ عليه النُّورُ والرحمة ، قال ابن كيسان : المُرادُ : تَفْهَمُه تالياً له ، ورُوِي في صحيح الحديث : أن قراءةَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَتْ بيِّنَةً مُتَرسِّلَةً ، لو شاء أحَدُ أنْ يَعُدَّ الحروفَ لعَدَّها ، قال الغزاليُّ في «الإحياء » : واعْلَمْ أنَّ التَرْتِيلَ والتَّؤُدَةَ أقْرَبُ إلى التوقير والاحترامِ ، وأشَدُّ تأثيراً في القلبِ من الهَدْرَمَةِ والاسْتِعْجَالِ ، والمَقْصُودُ مِنَ القراءَةِ التفكُّرُ ، والترتيلُ مُعِينٌ عَلَيْهِ ، وللناس عاداتٌ مختلفة في الخَتْمِ ، وأوْلَى مَا يُرْجَعُ إليه في التقديراتِ قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَدْ قَال عليه الصَّلاةُ والسلام : " مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ في أَقَلِّ مِن ثَلاَثٍ ، لَمْ يَفْقَهْهُ " ، وذلك لأَنَّ الزيادةَ عليهَا تمنعُ الترتيلَ المطلوبَ ، وقَدْ كَرِهَ جماعةٌ الختمَ في يومٍ ولَيْلَةٍ ، والتفصيلُ في مقدار القراءة أنَّه إنْ كَانَ التالي من العُبَّادِ السالكينَ طريقَ العَمَلِ ، فلا يَنْبَغِي له أن يَنْقُصَ من خَتْمَتَيْنِ في الأُسْبُوعِ ، وإنْ كانَ من السالكينَ بأعْمَالِ القَلْبِ وضرُوب الفِكْر ، أو من المشغولين بِنَشْرِ العلمِ فَلا بأسَ أنْ يَقْتَصِر في الأُسْبُوعِ على ختمةٍ ، وإنْ كَانَ نَافِذَ الفِكْرِ في مَعَانِي القرآن فَقَدْ يكتفِي في الشهر بمرةٍ لحاجَتِهِ إلى كَثْرَةِ التَّرْدِيدِ والتأمُّل ، انتهى . ورَوَى ابنُ المباركِ في «رقائقه » : قال : حدثنا إسماعيل عن أبي المتوكِّل الناجي : " أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِآيَةٍ مِنَ القُرْآنِ يُكَرِّرُهَا على نَفْسِهِ " ، انتهى .