السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا} (4)

{ أو زد عليه } أي : على النصف إلى الثلثين ، وأو للتخيير فكان صلى الله عليه وسلم مخيراً بين هذه المقادير الثلاثة ، وكان صلى الله عليه وسلم يقوم حتى يصبح مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب وكذا بعض أصحابه ، واشتدّ ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم وقد تقدّم أنّ ذلك نسخ بإيجاب الصلوات الخمس ، فصار قيام الليل تطوعاً فينبغي للمتعبد المواظبة عليه خصوصاً في الوقت الذي يبارك الله تعالى بالتجلي فيه ، فإنه صح أنه ينزل سبحانه عن أن تشبه ذاته شيئاً أو نزوله نزول غيره ، بل هو كناية عن فتح باب السماء الذي هو كناية عن وقت استجابة الدعاء حتى يبقى ثلث الليل ، وفي رواية حتى يبقى شطر الليل الآخر إلى سماء الدنيا ، فيقول سبحانه هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل من كذا هل من كذا حتى يطلع الفجر .

ولما أمر بالقيام وقدّر وقته وعينه أمر بهيئة التلاوة التي هي روح الصلاة على وجه عامّ ، فقال تعالى : { ورتل القرآن } أي : اقرأه على ترسل وتؤدة وتبيين حروفه وإشباع حركاته بحيث يتمكن السامع من عدّها ويجيء المتلو منه شبيهاً بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنور الأقحوان وأن لا يهذه هذاً ولا يسرده سرداً ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : شرّ السير الحقحقة ، وشرّ القراءة الهذرمة ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ولا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذّ الشعر ولكن قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة .

وقوله تعالى : { ترتيلاً } تأكيد في الأمر به وأنه لا بدّ منه للقارئ ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : اقرأ على هينتك ثلاث آيات أو أربعاً أو خمساً ، وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قام حتى أصبح بآية » والآية { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } [ المائدة : 118 ] وسئلت عائشة رضي الله عنها عن قراءته صلى الله عليه وسلم فقالت : «لا كسردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفها لعدها » . وسئل أنس رضي الله عنه كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قال : «كانت مدًّا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمدّ بسم الله ويمدّ الرحمن ويمدّ الرحيم » . وجاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه ، فقال : قرأت المفصل الليلة في ركعة ، فقال : هذاً كهذ الشعر ، لقد عرفت النظائر التي كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرن بينهنّ فذكر عشرين سورة من المفصل كل سورتين في ركعة .

وروى الحسن رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم «مرّ برجل يقرأ آية ويبكي فقال ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجلّ : { ورتل القرآن ترتيلاً } هذا الترتيل » . وروى أبو داود عن عبد الرحمن بن عوف قال : «قال النبيّ صلى الله عليه وسلم يؤتى بقارئ القرآن يوم القيامة ، فيوقف في أوّل درج الجنة ، ويقال له اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها » . وندب إصغاء إليه وبكاء عند القراءة وتحسين صوت بها وتعوذ بها جهراً وإعادته لفصل طويل وجلوس لها واستقبال وتدبر وتخشع . وكرهت بفم نجس . وجازت بحمام . وهي نظراً في المصحف أفضل منها على ظهر قلب ، نعم إن زاد خشوعه وحضور قلبه في القراءة عن ظهر قلب فهي أفضل في حقه . وهي أفضل من ذكر لم يخص بمحل ، وحرم توسد مصحف . وندب كتبه وإيضاحه ونقطة وشكله ، ويحرم كتبه بنجس ومسه بنجس غير معفوّ عنه ، وتحرم القراءة بالشواذ وهي ما نقل آحاداً وبعكس الآي وكره العكس في السور إلا في تعليم .

وندب ختم القرآن أوّل نهار وأوّل ليل وختمه في الصلاة أفضل من ختمه خارجها ، وندب صيام يوم الختم إلا أن يصادف يوماً نهى الشرع عن صيامه ، وندب الدعاء بعده وحضوره . والشروع بعده في ختمة أخرى . وندب كثرة تلاوته . ونسيانه كبيرة وكذا نسيان شيء منه ويحرم تفسيره بلا علم .