قوله تعالى : { وإنه } أي عيسى عليه السلام ، { لعلم للساعة } يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها ، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة : وإنه لعلم للساعة بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عادلاً يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام " . ويروى : أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة ، وعليه ثوبان مصرتان ، وشعر رأسه دهين ، وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر ، فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلا من آمن به . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا ابن بكير ، حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " . وقال الحسن وجماعة : ( وإنه ) يعني وإن القرآن ( لعلم للساعة ) يعلمكم قيامها ، ويخبركم بأحوالها وأهوالها ، { فلا تمترن بها } فلا تشكن فيها ، قال ابن عباس : لا تكذبوا بها ، { واتبعون } على التوحيد ، { هذا } الذي أنا عليه . { صراط مستقيم }
{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ } أي : وإن عيسى عليه السلام ، لدليل على الساعة ، وأن القادر على إيجاده من أم بلا أب ، قادر على بعث الموتى من قبورهم ، أو وإن عيسى عليه السلام ، سينزل في آخر الزمان ، ويكون نزوله علامة من علامات الساعة { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } أي : لا تشكن في قيام الساعة ، فإن الشك فيها كفر . { وَاتَّبِعُونِ } بامتثال ما أمرتكم ، واجتناب ما نهيتكم ، { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } موصل إلى الله عز وجل ،
ثم يعود إلى تقرير شيء عن عيسى عليه السلام . يذكرهم بأمر الساعة التي يكذبون بها أو يشكون فيها :
( وإنه لعلم للساعة . فلا تمترن بها . واتبعون . هذا صراط مستقيم . ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ) . .
وقد وردت أحاديث شتى عن نزول عيسى - عليه السلام - إلى الأرض قبيل الساعة وهو ما تشير إليه الآية : ( وإنه لعلم للساعة )بمعنى أنه يُعلم بقرب مجيئها ، والقراءة الثانية ( وأنه لَعَلَم للساعة )بمعنى أمارة وعلامة . وكلاهما قريب من قريب .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد ، حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها " .
وعن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . فينزل عيسى ابن مريم ، فيقول أميرهم : تعال : صل لنا . فيقول : لا . إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله تعالى لهذه الأمة " .
وهو غيب من الغيب الذي حدثنا عنه الصادق الأمين وأشار إليه القرآن الكريم ، ولا قول فيه لبشر إلا ما جاء من هذين المصدرين الثابتين إلى يوم الدين .
( فلا تمترن بها . واتبعون . هذا صراط مستقيم ) . .
وكانوا يشكون في الساعة ، فالقرآن يدعوهم إلى اليقين . وكانوا يشردون عن الهدى ، والقرآن يدعوهم على لسان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى اتباعه فإنه يسير بهم في الطريق المستقيم ، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّهُ لَعِلْمٌ لّلسّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنّ بِهَا وَاتّبِعُونِ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ * وَلاَ يَصُدّنّكُمُ الشّيْطَانُ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ } .
اختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله : وإنّهُ وما المعنيّ بها ، ومن ذكر ما هي ، فقال بعضهم : هي من ذكر عيسى ، وهي عائدة عليه . وقالوا : معنى الكلام : وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة ، لأن ظهوره من أشراطها ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا ، وإقبال الاَخرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن يحيى ، عن ابن عباس ، «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للِسّاعَةِ » قال : خروج عيسى بن مريم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس بمثله ، إلا أنه قال : نزول عيسى بن مريم .
حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسيّ ، قال : حدثنا غالب بن قائد ، قال : حدثنا قيس ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى بن مريم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن فضيل بن مرزوق ، عن جابر ، قال : كان ابن عباس يقول : ما أدري علم الناس بتفسير هذه الاَية ، أم لم يفطنوا لها ؟ «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى ابن مريم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » قال : نزول عيسى ابن مريم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك وعوف عن الحسن أنهما قالا في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قالا : نزول عيسى ابن مريم وقرأها أحدهما «وإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة : القيامة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَة » قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ قال : خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ يعني خروج عيسى ابن مريم ونزوله من السماء قبل يوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَة قال : نزول عيسى ابن مريم علم للساعة حين ينزل .
وقال آخرون : الهاء التي في قوله : وَإنّهُ من ذكر القرآن ، وقالوا : معنى الكلام : وإن هذا القرآن لعلم للساعة يعلمكم بقيامها ، ويخبركم عنها وعن أهوالها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول : «وَإنّهُ لَعَلَمٌ للسّاعَةِ » هذا القرآن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : كان ناس يقولون : القرآن علم للساعة . واجتمعت قرّاء الأمصار في قراءة قوله : وَإنّهُ لَعِلْمٌ للسّاعَةِ على كسر العين من العلم . ورُوي عن ابن عباس ما ذكرت عنه في فتحها ، وعن قتادة والضحاك .
والصواب من القراءة في ذلك : الكسر في العين ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وقد ذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ ، وإنه لذكر الساعة ، فذلك مصحح قراءة الذين قرأوا بكسر العين من قوله : لَعِلْمٌ .
وقوله : فَلا تَمْتَرُنّ بِها يقول : فلا تشكنّ فيها وفي مجيئها أيها الناس . كما :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ فَلا تَمْتَرُنّ بِها قال : تشكون فيها .
وقوله : وَاتّبِعُونِ يقول تعالى ذكره : وأطيعون فاعملوا بما أمرتكم به ، وانتهوا عما نهيتكم عنه ، وَهَذا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ يقول : اتباعكم إياي أيها الناس في أمري ونهيي صراط مستقيم ، يقول : طريق لا اعوجاج فيه ، بل هو قويم .
{ وإنه } وإن عيسى عليه السلام . { لعلم للساعة } لأن حدوثه أو نزوله من أشراط الساعة يعلم به دنوها ، أو لأن إحياء الموتى يدل على قدرة الله تعالى عليه . وقرئ { لعلم } أي لعلامة ولذكر على تسمية ما يذكر به ذكرا ، وفي الحديث ينزل عيسى عليه السلام على ثنية بالأرض المقدسة يقال لها أفيق وبيده حربة يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الصبح فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه الصلاة والسلام ويصلي خلفه على شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ، ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلا من آمن به . وقيل الضمير للقرآن فإن فيه الإعلام بالساعة والدلالة عليها . { فلا تمترن بها } فلا تشكن فيها . { واتبعون } واتبعوا هداي أو شرعي أو رسولي . وقيل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يقوله . { هذا } الذي أدعوكم إليه . { صراط مستقيم } لا يضل سالكه .