النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمٞ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (61)

قوله عز وجل : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن القرآن علم الساعة لما فيه من البعث والجزاء ؛ قاله الحسن وسعيد بن جبير .

الثاني : أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى ، قاله ابن إسحاق .

الثالث : أن خروج عيسى علم الساعة لأنه من علامة القيامة وشروط الساعة ، قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك والسدي .

وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الأَنبِيَاءُ إِخْوَةٌ لَعِلاَّتُ{[2520]} ، أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ ، أَنَا أَولَى النَّاسِ بِعيسَى ابنِ مَرْيَمَ ، إِنَّهُ لَيسَ بَينِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ أَوَّلُ نَازِلٍ ، فَيَكْسَرُ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلُ الخنزيرَ ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الإِسْلاَمِ " .

وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا : إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم . وهذا قول مردود{[2521]} لثلاثة أمور : للحديث الذي قدمناه ، ولأن بقاء الدنيا يقتضي بقاء التكليف فيها ، ولأنه ينزل آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى مقصوراً على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه .

وحكى مقاتل أن عيسى ينزل من السماء على ثنية جبل بأرض الشام يقال له أفيق{[2522]} .

{ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } فيه وجهان :

أحدهما : لا تشكّون فيها يعني الساعة . قاله يحيى بن سلام .

الثاني : فلا تكذّبون بها ؛ قاله السُدي .

{ وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّستَقِيمٌ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : القرآن صراط مستقيم إلى الجنة ، قاله الحسن .

الثاني : عيسى ؛ قاله ابن عباس .

الثالث : الإسلام ، قاله يحيى .


[2520]:رواه البخاري في الأنبياء 6/ 353 و354، ومسلم في الفضائل رقم 2365.
[2521]:في ع مرذول وقد نقل هذا الرد القرطبي في تفسيره ج 16 ص 106.
[2522]:تكملة الحديث بين ممصرتين وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الرجال، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم، فيتأخر الإمام فيتقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به. والحديث رواه أبو هريرة. والممصر من الثياب الذي فيه صفرة خفيفة.