معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

قوله تعالى : { فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } وهم قوم لوط ، والحاصب : الريح التي تحمل الحصب وهي الحصا الصغار ، { ومنهم من أخذته الصيحة } يعني ثمود ، { ومنهم من خسفنا به الأرض } يعني قارون وأصحابه ، { ومنهم من أغرقنا } يعني : قوم نوح ، وفرعون وقومه . { وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون* }

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

{ فَكُلا } من هؤلاء الأمم المكذبة { أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ } على قدره ، وبعقوبة مناسبة له ، { فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا } أي : عذابا يحصبهم ، كقوم عاد ، حين أرسل اللّه عليهم الريح العقيم ، و { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }

{ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ } كقوم صالح ، { وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ } كقارون ، { وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا } كفرعون وهامان وجنودهما .

{ وَمَا كَانَ اللَّهُ } أي : ما ينبغي ولا يليق به تعالى أن يظلمهم لكمال عدله ، وغناه التام عن جميع الخلق . { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } منعوها حقها التي هي بصدده ، فإنها مخلوقة لعبادة اللّه وحده ، فهؤلاء وضعوها في غير موضعها ، وأشغلوها بالشهوات والمعاصي ، فضروها غاية الضرر ، من حيث ظنوا أنهم ينفعونها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

14

هؤلاء الذين ملكوا القوة والمال وأسباب البقاء والغلبة ، قد أخذهم الله جميعا . بعد ما فتنوا الناس وآذوهم طويلا :

( فكلا أخذنا بذنبه ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم من أغرقنا . وما كان الله ليظلمهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) .

فعاد أخذهم حاصب وهو الريح الصرصر التي تتطاير معها حصباء الأرض فتضربهم وتقتلهم ، وثمود أخذتهم الصيحة . وقارون خسف به وبداره الأرض ، وفرعون وهامان غرقا في اليم . وذهبوا جميعا مأخوذين بظلمهم . ( وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَكُلاّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مّنْ أَخَذَتْهُ الصّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلََكِن كَانُوَاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فأخذنا جميع هذه الأمم التي ذكرناها لك يا محمد بعذابنا فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبا وهم قوم لُوط ، الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجِيل مَنضُود ، والعرب تسمي الريح العاصف التي فيها الحصى الصغار أو الثلج أو البَرَد والجليد حاصبا ومنه قول الأخطل :

وَلقدْ عَلِمْتُ إذا العِشارُ تَرَوّحَتْ *** هَدَجَ الرّئالِ يَكُبّهُنّ شَمالا

تَرْمي العِضَاهَ بحاصِبٍ مِن ثَلْجِها *** حتى يَبِيتَ على العِضَاهِ جُفالا

وقال الفرزدق :

مُسْتَقْبِلِينَ شَمالَ الشّأْمِ تَضْرِبُنا *** بحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِبا قوم لوط .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَمِنْهُمْ مَنْ أرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصبا وهم قوم لوط . وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ . اختلف أهل التأويل في الذين عُنوا بذلك ، فقال بعضهم : هم ثمود قوم صالح . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ ثمود .

وقال آخرون : بل هم قوم شعيب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنْهُمْ مَنْ أخَذَتْهُ الصّيْحَةُ قوم شعيب .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله قد أخبر عن ثمود وقوم شعيب من أهل مدين أنه أهلكهم بالصيحة في كتابه في غير هذا الموضع ، ثم قال جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم : فمن الأمم التي أهلكناهم من أرسلنا عليهم حاصبا ، ومنهم مَنْ أخذته الصيحة ، فلم يخصُصِ الخبر بذلك عن بعض مَنْ أخذته الصيحة من الأمم دون بعض ، وكلا الأمتين أعني ثمود ومَدين قد أخذتهم الصّيحة .

وقوله : وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأرْضَ : يعني بذلك قارون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الأرْضِ قارون وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا يعني : قوم نوح وفرعون وقومه .

واختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم : عُني بذلك : قومُ نوح عليه السلام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس : وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا قومُ نوح .

وقال آخرون : بل هم قوم فرعون . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَمِنْهُمْ مَنْ أغْرَقْنا قوم فرعون .

والصواب من القول في ذلك ، أن يُقال : عُني به قوم نوح وفرعونُ وقومه ، لأن الله لم يخصص بذلك إحدى الأمتين دون الأخرى ، وقد كان أهلكهما قبل نزول هذا الخبر عنهما ، فهما مَعْنيتان به .

وقوله : وَما كانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يقول تعالى ذكره : ولم يكن الله ليهلك هؤلاء الأمم الذين أهلكهم بذنوب غيرهم ، فيظلمَهم بإهلاكه إياهم بغير استحقاق ، بل إنما أهلكهم بذنوبهم ، وكفرهم بربهم ، وجحودهم نعمه عليهم ، مع تتابع إحسانه عليهم ، وكثرة أياديه عندهم ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بتصرّفهم في نعم ربهم ، وتقلبهم في آلائه وعبادتهم غيره ، ومعصيتهم من أنعم عليهم .