قوله تعالى : { ومنهم من يستمع إليك } الآية ، قال الكلبي : اجتمع أبو سفيان بن حرب ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبي ابنا خلف ، والحارث ابن عامر ، يستمعون القرآن فقالوا للنضر : يا أبا قبيلة ما يقول محمد ؟ قال : ما أدري ما يقول ، إلا أني أراه يحرك لسانه ، ويقول أساطير الأولين ، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر كثير الحديث عن القرون وأخبارها ، فقال أبو سفيان : إني أرى بعض ما يقول حقاً ، فقال أبو جهل : كلا ، لا تقر بشيء من هذا ، وفي رواية : الموت أهون علينا من هذا ، فأنزل الله عز وجل : { ومنهم من يستمع إليك } وإلى كلامك .
قوله تعالى : { وجعلنا على قلوبهم أكنة } ، أغطية جمع كنان ، كالأعنة جمع عنان .
قوله تعالى : { أن يفقهوه } ، أن يعلموه ، قيل : معناه أن لا يفقهوه ، وقيل : كراهة أن يفقهوه .
قوله تعالى : { وفي آذانهم وقراً } ، صمماً وثقلاً ، وهذا دليل على أن الله تعالى يقلب القلوب ، فيشرح بعضها للهدى ، ويجعل بعضها في أكنة فلا تفقه كلام الله ولا تؤمن . قوله تعالى : { وإن يروا كل آية } ، من المعجزات والدلالات .
قوله تعالى : { لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين } ، يعني : أحاديثهم وأقاصيصهم ، والأساطير جمع : أسطورة ، وإسطارة . وقيل الأساطير : هي الترهات والأباطيل ، وأصلها من سطرت ، أي : كتبت .
{ 25 } { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }
أي : ومن هؤلاء المشركين ، قوم يحملهم بعضَ الأوقات ، بعضُ الدواعي إلى الاستماع لما تقول ، ولكنه استماع خال من قصد الحق واتباعه ، ولهذا لا ينتفعون بذلك الاستماع ، لعدم إرادتهم للخير { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي : أغطية وأغشية ، لئلا يفقهوا كلام الله ، فصان كلامه عن أمثال هؤلاء . { وَفِي آذَانِهِمْ } جعلنا { وَقْرًا } أي : صمما ، فلا يستمعون ما ينفعهم .
{ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } وهذا غاية الظلم والعناد ، أن الآيات البينات الدالة على الحق ، لا ينقادون لها ، ولا يصدقون بها ، بل يجادلون بالباطل الحقَّ ليدحضوه .
ولهذا قال : { حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } أي : مأخوذ من صحف الأولين المسطورة ، التي ليست عن الله ، ولا عن رسله . وهذا من كفرهم ، وإلا فكيف يكون هذا الكتاب الحاوي لأنباءالسابقين واللاحقين ، والحقائق التي جاءت بها الأنبياء والمرسلون ، والحق ، والقسط ، والعدل التام من كل وجه ، أساطيرَ الأولين ؟ .
ويمضي السياق يصور حال فريق من المشركين ؛ ويقرر مصيرهم في مشهد من مشاهد القيامة . . يصور حالهم وهم يستمعون القرآن معطلي الإدراك ، مطموسي الفطرة ، معاندين مكابرين ، يجادلون رسول الله [ ص ] وهم على هذا النحو من الاستغلاق والعناد ، ويدعون على هذا القرآن الكريم أنه أساطير الأولين ؛ وينأون عن سماعه وينهون غيرهم عنه أيضا . . يصور حالهم هكذا في الدنيا في صفحة ، وفي الصفحة الأخرى يرسم لهم مشهدا كئيبا مكروبا ؛ وهم موقوفون على النار محبوسون عليها ، وهي تواجههم بهول المصير الرعيب ؛ وهم يتهافتون متخاذلين ؛ ويتهاوون متحسرين ؛ يتمنون لو يردون إلى الدنيا فيكون لهم موقف غير ذلك الموقف ، الذي انتهى بهم إلى هذا المصير . فيردون عن هذا التمني بالتصغير والتحقير :
( ومنهم من يستمع إليك ، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ، حتى إذا جاؤوك يجادلونك ، يقول الذين كفروا : إن هذا إلا أساطير الأولين . وهم ينهون عنه وينأون عنه ، وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون . ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا : يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ! بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ، وإنهم لكاذبون ) . . إنهما صفحتان متقابلتان : صفحة في الدنيا يرتسم فيها العناد والإعراض ؛ وصفحة في الآخرة يرتسم فيها الندم والحسرة . . يرسمها السياق القرآني ، ويعرضهما هذا العرض المؤثر الموحي ؛ ويخاطب بهما الفطر الجاسية ؛ ويهز بها هذه الفطر هزا ، لعل الركام الذي ران عليها يتساقط ، ولعل مغاليقها الصلدة تتفتح ، ولعلها تفيء إلى تدبر هذا القرآن قبل فوات الأوان .
( ومنهم من يستمع إليك ، وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) . .
والأكنة : الأغلفة التي تحول دون أن تتفتح هذه القلوب فتفقه ؛ والوقر : الصمم الذي يحول دون هذه الآذان أن تؤدي وظيفتها فتسمع . .
وهذه النماذج البشرية التي تستمع ؛ ولكنها لا تفقه ، كأن ليس لها قلوب تدرك ؛ وكأن ليس لها آذان تسمع . . نماذج مكرورة في البشرية في كل جيل وفي كل قبيل ، في كل زمان وفي كل مكان . . إنهم أناسي من بني آدم . . ولكنهم يسمعون القول وكأنهم لا يسمعونه . كأن آذانهم صماء لا تؤدي وظيفتها . وكأن إدراكهم في غلاف لا تنفذ إليه مدلولات ما سمعته الآذان !
وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها . حتى إذا جاؤوك يجادلونك . يقول الذين كفروا : إن هذا إلا أساطير الأولين . .
فأعينهم ترى كذلك . ولكن كأنها لا تبصر . أو كأن ما تبصره لا يصل إلى قلوبهم وعقولهم !
فما الذي أصاب القوم يا ترى ؟ ما الذي يحول بينهم وبين التلقي والاستجابة . بينما لهم آذان ولهم عيون ولهم عقول ؟ يقول الله - سبحانه - :
( وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا . وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها )
وهذا يعبر عن قضاء الله فيهم بألا يتلقى إدراكهم هذا الحق ولا يفقهه ؛ وبألا تؤدي أسماعهم وظيفتها فتنقل إلى إدراكهم ما تسمع من هذا الحق فتستجيب له ، مهما يروا من دلائل الهدى وموحيات الإيمان .
غير أنه يبقى أن نلتمس سنة الله في هذا القضاء . . إنه سبحانه يقول : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . .
ويقول : ( ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) . . فشأن الله - سبحانه - أن يهدي من يجاهد ليبلغ الهدى ؛ وأن يفلح من يزكي نفسه ويطهرها . . فأما هؤلاء فلم يتوجهوا إلى الهدى ليهديهم الله ؛ ولم يحاولوا أن يستخدموا أجهزة الاستقبال الفطرية في كيانهم ، فييسر الله لهم الاستجابة . . هؤلاء عطلوا أجهزتهم الفطرية ابتداء ؛ فجعل الله بينهم وبين الهدى حجابا ؛ وجرى قضاؤه فيهم بهذا الذي جرى جزاء على فعلهم الأول ونيتهم الأولى . . وكل شيء إنما يكون بأمر الله . ومن أمر الله أن يهدي من يجاهد ، وأن يفلح من يتزكى . ومن أمر الله أن يجعل على قلوب المعرضين أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها . . والذين يحيلون ضلالهم وشركهم وخطاياهم على إرادة الله بهم ، وعلى قضائه فيهم ، إنما يغالطون في هذه الإحالة . والله سبحانه يجبههم بالحق ، وهو يحكي أقوالهم في هذا الشأن ويسفهها : ( وقال الذين أشركوا : لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ، ولا حرمنا من دونه من شيء . كذلك فعل الذين من قبلهم . فهل على الرسل إلا البلاغ المبين ؟ ولقد بعثنا في كل أمة رسولا : أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، فمنهم من هدى الله ، ومنهم من حقت عليه الضلالة ، فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) . . فدل هذا على إنكار الله عليهم قولهم ؛ وعلى أن الضلالة إنما حقت عليهم - بعد النذارة - بفعلهم . .
والذين أثاروا قضايا القضاء والقدر ، والجبر والاختيار ، وإرادة العبد وكسبه . . ليجعلوا منها مباحث لاهوتية ، تخضع لما تتصوره عقولهم من فروض وتقديرات ، إنما يجانبون منهج القرآن في عرض هذه القضية في صورتها الواقعية التقريرية البسيطة ؛ التي تقرر أن كل شيء إنما يكون بقدر من الله ؛ وأن اتجاه الإنسان على هذا النحو أو ذاك داخل في حدود فطرته التي خلقه الله عليها ، والتي جرى بها قدر الله فكانت على ما كانت عليه ؛ وأن اتجاهه على هذا النحو أو ذاك تترتب عليه نتائج وآثار في الدنيا والآخرة يجري بها قدر الله أيضا ، فتكون . . وبهذا يكون مرجع الأمر كله إلى قدر الله . . ولكن على النحو الذي يرتب على إرادة الإنسان الموهوبة له ما يوقعه قدر الله به . . وليس وراء هذا التقرير إلا الجدل الذي ينتهي إلى المراء !
والمشركون كانت معروضة عليهم أمارات الهدى ودلائل الحق وموحيات الإيمان ، في هذا القرآن ، الذي يلفتهم إلى آيات الله في الأنفس والآفاق ؛ وهي وحدها كانت كفيلة - لو اتجهت إليها قلوبهم - أن توقع على أوتار هذه القلوب ، وأن تهز فيها المدارك الغافية فتوقظها وتحييها ، لتتلقى وتستجيب . . إلا أنهم هم لم يجاهدوا ليهتدوا ؛ بل عطلوا فطرتهم وحوافزها ؛ فجعل الله بينهم وبين موحيات الهدى حجابا ؛ وصاروا حين يجيئون إلى الرسول [ ص ] لا يجيئون مفتوحي الأعين والآذان والقلوب ؛ ليتدبروا ما يقوله لهم تدبر الباحث عن الحق ؛ ولكن ليجادلوا ويتلمسوا أسباب الرد والتكذيب :
( حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا : إن هذا إلا أساطير الأولين ) . .
والأساطير جمع أسطورة . وكانوا يطلقونها على الحكايات التي تتضمن الخوارق المتعلقة بالألهة والأبطال في قصص الوثنيات . وأقربها إليهم كانت الوثنية الفارسية وأساطيرها .
وهم كانوا يعلمون جيدا أن هذا القرآن ليس بأساطير الأولين . ولكنهم إنما كانوا يجادلون ؛ ويبحثون عن أسباب الرد والتكذيب ؛ ويتلمسون أوجه الشبهات البعيدة . . وكانوا يجدون فيما يتلى عليهم من القرآن قصصا عن الرسل وأقوامهم ؛ وعن مصارع الغابرين من المكذبين . فمن باب التمحل والتماس أوهى الأسباب ، قالوا عن هذا القصص وعن القرآن كله : ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) !
وإمعانا في صرف الناس عن الاستماع لهذا القرآن ، وتثبيت هذه الفرية . . فرية أن هذا القرآن إن هو إلا أساطير الأولين . . كان مالك بن النضر ، وهو يحفظ أساطير فارسية عن رستم واسفنديار من أبطال الفرس الأسطوريين ، يجلس مجلسا قريبا من رسول الله [ ص ] وهو يتلو القرآن . فيقول للناس : إن كان محمد يقص عليكم أساطير الأولين ، فعندي أحسن منها ! ثم يروح يقص عليهم مما عنده من الأساطير ، ليصرفهم عن الاستماع إلى القرآن الكريم !
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىَ قُلُوبِهِمْ أَكِنّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيَ آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلّ آيَةٍ لاّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتّىَ إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنْ هََذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ } . .
يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام من قومك يا محمد من يستمع إليك ، يقول : من يستمع القرآن منك ، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك وأمره ونهيه ، ولا يفقه ما تقول ولا يوعيه قلبه ، ولا يتدبره ولا يصغي له سمعه ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك ، إنما يسمع صوتك وقراءتك وكلامك ، ولا يعقل عنك ما تقول لأن الله قد جعل على قلبه أكنّة . وهي جمع كنان ، وهو الغطاء مثل سنان وأسنة ، يقال منه : أكننت الشيء في نفسي بالألف ، وكنَنَتُ الشيء إذا غطيته ، ومن ذلك بَيْضٌ مَكْنُونٌ وهو الغطاء ، ومنه قول الشاعر :
تَحْتَ عَيْنٍ كِنانُنا ***ظِلّ بُرْدٍ مُرَحّلُ
وفِي آذَانهِمْ وَقْرا يقول تعالى ذكره : وجعل في آذانهم ثقلاً وصمما عن فهم ما تتلو عليهم والإصغاء لما تدعوهم إليه . والعرب تفتح الواو من «الوَقْر » في الأذن : وهو الثقل فيها ، وتكسرها في الحمل ، فتقول : هو وِقْر الدابة ، ويقال من الحِمل : أوقرت الدابة فهي مُوقَرة ، ومن السمع : وقرت سمعه فهو موقور ، ومنه قول الشاعر :
***ولي هامَةٌ قَدْ وَقَرَ الضّرْبُ سَمْعَها ***
وقد ذكر سماعا منهم : وقَرَتْ أذنه : إذا ثقلت ، فهي موقورة ، وأوقَرت النخلة فهي مُوقر ، كما قيل : امرأة طامث وحائض ، لأنه لاحظّ فيه للمذكر ، فإذا أريد أن الله أوقرها قيل موقرة . وقال تعالى ذكره : وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنّةً أنْ يَفْقَهُوهُ بمعنى : أن لا يفقهوه ، كما قال : يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّوا بمعنى : أن لا تضلوا ، لأن الكنّ إنما جعل على القلب لئلا يفقهه لا ليفقهه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْرا قال : يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئا ، كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَجَعَلْنا على قُلوبِهِمْ أكِنّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفِي آذَانِهِمْ وَقْرا أما أكنة : فالغطاء ، أكنّ قلوبهم لا يفقهون الحقّ ، وفِي آذَانِهِمْ وَقْرا قال صمم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْكَ قال : قريش .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : وَإنْ يَرَوْا كُلّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حتى إذَا جَاءُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِينَ .
يقول تعالى ذكره : وإن هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام ، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك ، كُلّ آيَةٍ : يقول : كل حجة وعلامة تدلّ أهل الحِجا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبّوتك لا يُؤْمِنُوا بِها يقول : لا يصدّقون بها ولا يقرّون بأنها دالة على ما هي عليه دالة . حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ يقول : حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الاَيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به يجادلونك ، يقول : يخاصمونك . يَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا يعني بذلك الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها ، يقولون لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجّ بها عليهم وبيانه الذي بينه لهم : إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِينَ أي ما هذا إلاّ أساطير الأوّلين . والأساطير : جمع إسْطارة وأُسْطورة مثل أفكوهة وأضحوكة ، وجائز أن يكون الواحد أسطارا مثل أبيات وأبابيت وأقوال وأقاويل ، من قول الله تعالى : وكِتابٍ مَسْطُورٍ من سَطَرَ يَسْطُرْ سَطْرا . فإن كان من هذا ، فإن تأويله : ما هذا إلاّ ما كتبه الأوّلون . وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل ، ويقولون معناه : إن هذا إلاّ أحاديث الأوّلين .
حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، أما : أساطِيرُ الأوّلِينَ فأساجيع الأوّلين .
وكان بعض أهل العلم وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى بكلام العرب يقول : الإسطارة : لغة الخرافات والترّهات . وكان الأخفش يقول : قال بعضهم : واحده أسطورة ، وقال بعضهم : إسطارة قال : ولا أراه إلاّ من الجمع الذي ليس له واحد ، نحو العبابيد والمذاكير والأبابيل . قال : وقال بعضهم : واحد الأبابيل : إبّيل وقال بعضهم : إبّوْل ، مثل عِجّوْل ، ولم أجد العرب تعرف له واحدا ، وإنما هو مثل عباديد لا واحد لها . وأما الشماطيط ، فإنهم يزعمون أن واحده شِمْطاط ، قال : وكلّ هذه لها واحد ، إلاّ أنه لم يستعمل ولم يتكلم به ، لأن هذا المثال لا يكون إلاّ جمعا قال : وسمعت العرب الفصحاء تقول : أرسل خيله أبابيل ، تريد جماعات ، فلا تتكلم بها موحدة . وكانت مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الاَية فيما ذكر ، ما :
حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : حتى إذَا جَاءُوكَ يُجادِلُونَكَ . . . الاَية : قال : هم المشركون يجادلون المسلمين في الذبيحة ، يقولون : أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون ، وأما ما قتل الله فلا تأكلون ، وأنتم تتبعون أمر الله تعالى .