فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (25)

قوله : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } هذا كلام مبتدأ لبيان ما كان يصنعه بعض المشركين في الدنيا ، والضمير عائد إلى الذين أشركوا ، أي وبعض الذين أشركوا يستمع إليك حين تتلو القرآن { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم ، والأكنة : الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان ، كننت الشيء في كنه : إذا جعلته فيه ، وأكننته أخفيته ، وجملة : { جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } مستأنفة للإخبار بمضمونها ، أو في محل نصب على الحال ، أي وقد جعلنا على قلوبهم أغطية كراهة أن يفقهوا القرآن ، أو لئلا يفقهوه ، والوقر : الصمم ، يقال وقرت أذنه تقر وقراً : أي صمت .

وقرأ طلحة ابن مصرف «وِقْراً » بكسر الواو ، أي جعل في آذانهم ما سدّها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير ، وهو مقدار ما يطيق أن يحمله ، وذكر الأكنة والوقر تمثيل لفرط بعدهم عن فهم الحق وسماعه ، كأن قلوبهم لا تعقل ، وأسماعهم لا تدرك ، { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا } أي لا يؤمنوا بشيء من الآيات التي يرونها من المعجزات ، ونحوها لعنادهم وتمرّدهم .

قوله : { حتى إِذَا جَاءوكَ يجادلونك يَقُولُ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين } «حتى » هنا هي الابتدائية التي تقع بعدها الجمل ، وجملة { يجادلونك } في محل نصب على الحال . والمعنى : أنهم بلغوا من الكفر والعناد أنهم إذا جاءوك مجادلين لم يكتفوا بمجرد عدم الإيمان ، بل يقولون إن هذا إلا أساطير الأوّلين . وقيل : «حتى » هي الجارة وما بعدها في محل جر ، والمعنى : حتى وقت مجيئهم مجادلين يقولون إن هذا إلا أساطير الأوّلين ، وهذا غاية التكذيب ونهاية العناد . والأساطير قال الزجاج : واحدها أسطار . وقال الأخفش : أسطورة . وقال أبو عبيدة أسطارة . وقال النحاس : أسطور . وقال القشيري : أسطير . وقيل : هو جمع لا واحد له كعباديد وأبابيل ، والمعنى : ما سطره الأوّلون في الكتب من القصص والأحاديث . قال الجوهري : الأساطير الأباطيل والترهات .

/خ28