غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمِنۡهُم مَّن يَسۡتَمِعُ إِلَيۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن يَفۡقَهُوهُ وَفِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٗاۚ وَإِن يَرَوۡاْ كُلَّ ءَايَةٖ لَّا يُؤۡمِنُواْ بِهَاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (25)

25

التفسير : لما بيّن أحوال الكفار في الآخرة أتبعه بعض أسباب ذلك فقال { ومنهم من يستمع إليك } قال ابن عباس : حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبي ابنا خلف واستمعوا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر : ما تقول في محمد ؟ فقال : ما أدري ما يقول إلا أني أرى تحريك . شفتيه يتكلم بشيء وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية . وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى ، وكان يحدث قريشاً فيستملحون حديثه فنزلت الآية . والأكنة جمع كنان وهو كل ما وقى شيئاً وستره من الأغطية والقفل ، ومنه أكننت وكننت . وأن يفقهوه مفعول لأجله أي كراهة فقههم . والوقر الثقل في الآذان . والتركيب يدور على الثقل ومنه الوِقر بالكسر الحمل ، والوقار الحلم . وفي الآية دلالة على أن الله تعالى هو الذي يصرف عن الإيمان ويحول بين المرء وبين قلبه . وقالت المعتزلة : لا يمكن أجراؤها على ظاهرها وإلا كأن فيها حجة الكفار ، ولأنه يكون تكليفاً للعاجز . ولم يتوجه ذمهم في قولهم { وقالوا قلوبنا غلف } [ البقرة : 88 ] فلا بد من التأويل وذلك من وجوه الأول : قال الجبائي : إن القوم كانوا يسمعون لقراءة الرسول ليتوسلوا بسماع قراءته إلى مكانه بالليل فيقصدوا قتله وإيذاءه ، فكان الله تعالى يلقي على قلوبهم النوم والغفلة ، وعلى آذانهم الثقل . وزيف بأن المراد لو كان ذلك لقيل «أن يسمعوه » بدل «أن يفقهوه » . وبأن قوله { وأن يروا كل آية } أي كل دليل وحجة { لا يؤمنوا بها } لا يناسبه . الثاني : أن المكلف الذي علم الله تعالى أنه لا يؤمن وأنه يموت على الكفر يسم قلبه بعلامة مخصوصة لتستدل الملائكة برؤيتها فلا يبعد تسمية تلك العلامة بالكنان مع أنها في نفسها ليست بمانعة عن الإيمان . الثالث : يقال : إنه جبل على كذا إذا كان مصّراً عليه وذلك على جهة التمثيل . الرابع : لما منعهم الألطاف التي تصلح أن تفعل بالمهتدين وفوّض أمورهم إلى أنفسهم لم يبعد أن يضيف ذلك إلى نفسه . الخامس : أن هذا حكاية قولهم { في آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } [ فصلت : 5 ] وعورضت هذه الأدلة بالعلم والداعي ، وذلك أن الله تعالى علم من الكافر أنه لا يؤمن وخلاف علمه محال ، وأنه سبحانه هو الذي خلق فيهم داعية الكفر ومع وجود تلك الداعية يستحيل الإيمان فهو المعنى بالكنان . وتحقيق المسألة تقدم في أول سورة البقرة في قوله

{ ختم الله على قلوبهم } [ البقرة : 7 ] والإفراد في { يستمع } والجمع في { قلوبهم } اعتبار اللفظ من تارة ولمعناه أخرى { حتى إذا جاؤك } هي حتى المبتدأة التي يقع بعدها الجمل كقوله : حتى ماء دجلة أشكل .

والجملة هاهنا مجموع الشرط والجزاء أعني قوله { إذا جاؤك } يقول : { ويجادلونك } في موضع الحال . ويجوز أن تكون حتى جارّة أي حتى وقت مجيئهم { ويجادلونك } حال بحاله { ويقول } تفسير له . والمعنى أنه بلغ تكذيبهم الآيات إلى حالة المجادلة . ثم فسر الجدل بأنهم يقولون { إن هذا إلا أساطير الأولين } وأصل السطر هو أن يجعل شيئاً ممتداً مؤلفاً في صف ومنه سطر الكتاب وسطر من نخيل وجمعه أسطار وجمع الجمع أساطير . وقال الزجاج : واحد الأساطير أسطورة كأحاديث وأحدوثة . وقال أبو زيد : لا واحد له كعباديد . قال ابن عباس : معناه أحاديث الأولين التي كانوا يسطرونها أي يكتبونها . ومن فسر الأساطير بالخرافات والترهات نظر . إلى أن الأغلب هو أن لا يكون فيها فائدة معتبرة كحديث رستم وغيره فذلك معنى وليس بتفسير . ثم إن غرض القوم من هذا القول هو القدح في كون القرآن معجزاً كما الكتب المشتملة على الأخبار والقصص ليست بمعجزة ، والجواب أن هذا مقرون بالتحدي وقد عجزوا عن آخرهم دون تلك فظهر الفرق .

/خ37