معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

قوله تعالى : { وهو الله في السموات وفي الأرض } ، يعني : وهو إله السموات والأرض ، كقوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ، وقيل : هو المعبود في السموات ، وقال محمد بن جرير : معناه " وهو الله في السموات يعلم سركم وجهركم في الأرض " ، وقال الزجاج : فيه تقديم وتأخير تقديره : وهو الله .

قوله تعالى : { يعلم سركم وجهركم } ، في السموات والأرض .

قوله تعالى : { ويعلم ما تكسبون } . تعملون من الخير والشر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

{ 3 } { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }

أي : وهو المألوه المعبود في السماوات وفي الأرض ، فأهل السماء والأرض ، متعبدون لربهم ، خاضعون لعظمته ، مستكينون لعزه وجلاله ، الملائكة المقربون ، والأنبياء والمرسلون ، والصديقون ، والشهداء والصالحون .

وهو تعالى يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ، فاحذروا معاصيه وارغبوا في الأعمال التي تقربكم منه ، وتدنيكم من رحمته ، واحذروا من كل عمل يبعدكم منه ومن رحمته .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

وبعد أن أقام - سبحانه - الأدلة فى الآيتين السابقتين على أنه هو المستحق للعبادة والحمد ، وعلى أن يوم القيامة حق ، جاءت الآية الثالثة لتصفه - سبحانه بأنه هو صاحب السلطان المطلق فى هذا الكون فقال - تعالى - : { وهُوَ الله فِي السماوات وَفِي الأرض يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } .

أى : أنه - سبحانه - هو المعبود بحق فى السموات والأرض ، العليم بكل شىء فى هذا الوجود ، الخبير بكل ما يكسبه الإنسان من خير أو شر فيجازيه عليه بما يستحقه .

والضمير " هو " الذى صدرت به الآية يعود إلى الله - تعالى - الذى نعت ذاته فى الآيتين السابقتين بأنه هو صاحب الحمد المطلق ، وخالق السموات والأرض ، وجاعل الظلمات والنور ، ومنشىء الإنسان من طين ، وأنه لذلك يكون مختصاً بالعبادة والخضوع .

وقوله - تعالى - : { وَهُوَ الله } جملة من متبدأ وخبر ، معطوفة على ما قبلها ، سيقت لبيان شموال ألوهيته لجميع المخلوقات .

قال أبو السعود : وقوله { فِي السماوات وَفِي الأرض } متعلق بالمعنى الوصفى الذى ينبىء عنه الاسم الجليل إما باعتبار اصل اشتقاقه وكونه علما للمعبود بالحق ، كأنه قيل : وهو المعبود فيهما . وإما باعتبار أنه اسم اشتهر به الذات من صفات الكمال ، فلوحظ معه منها ما يقتضيه المقام من المالكية حسبما تقتضيه المشيئة المبنية على الحكم البالغة ، فعلق به الظرف من تلك الحيثية فصار كأنه قيل : هو المالك أو المتصرف المدبر فيهما ، كما فى قوله - تعالى - : { وَهُوَ الذي فِي السمآء إله وَفِي الأرض إله } وجملة { يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } تقرير لمعنى الجملة الأولى لأن الذى استوى فى علمه السر والعلن هو الله وحده . ويجوز أن تكون كلاما مبتدأ بمعنى : هو يعلم سركم وجهركم ، أو خبراً ثانيا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول الله تعالى في الأماكن مستحيل وكذلك مماسته للأجرام أو محاداته لها أو تحيز لا في جهة لامتناع جواز التقرب عليه تبارك وتعالى ، فإذا تقرر هذا فبين أن قوله تعالى : { وهو الله في السموات وفي الأرض } ليس على حد قولنا زيد في الدار بل هو على وجه من التأويل آخر ، قالت فرقة ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى ، كأنه قال وهو الله المعبود في السماوات وفي الأرض ، وعبر بعضهم بأن قدر هو الله المدبر للأمر في «السماوات وفي الأرض » ، وقال الزجاج { في } متعلقة بما تضمنه اسم الله تعالى من المعاني كما يقال : أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازاً لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى ، وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله : { وهو الله } أي الذي له هذه كلها «في السماوات وفي الأرض » كأنه وهو الخالق الرازق المحيي المحيط «في السماوات وفي الأرض » كما تقول زيد السلطان في الشام والعراق ، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالاً ، وإذا كان مقصد قولك : زيد الآمر الناهي المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق فأقمت السلطان مقام هذه كان فصيحاً صحيحاً ، فكذلك في الآية أقام لفظة { الله } مقام تلك الصفات المذكورة . وقالت فرقة { وهو الله } ابتداء وخبر تم الكلام عنده ، ثم استأنف ، وتعلق قوله { في السماوات } بمفعول { يعلم } ، كأنه قال «وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض » فلا يجوز مع هذا التعليق أن يكون { هو } ضمير أمر وشأن لأنه يرفع { الله } بالابتداء ، و { يعلم } في موضع الخبر ، وقد فرق { في السماوات وفي الأرض } بين الابتداء والخبر وهو ظرف غريب من الجملة ، ويلزم قائلي هذه المقالة أن تكون المخاطبة في الكاف في قوله : { سركم وجهركم } لجميع المخلوقين الإنس والملائكة ، لأن الإنس لا سر ولا جهر لهم في السماء ، فترتيب الكلام على هذا القول وهو الله يعلم يا جميع المخلوقين «سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض » وقالت فرقة { وهو } ضمير الأمر والشأن و «الله في السماوات » ابتداء وخبر تم الكلام عنده ، ثم ابتدأ كأنه قال «ويعلم في الأرض سركم وجهركم »{[4821]} ، وهذا القول إذ قد تخلص من لزوم المخاطبة الملائكة فهو مخلص من شبهة الكون في السماء بتقدير حذف المعبود أو المدبر على ما تقدم ، وقوله تعالى { يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون } خبر في ضمنه تحذير وزجر ، و { تكسبون } لفظ عام لجميع الاعتقادات والأفعال والأقوال .


[4821]:-هذا رأي أبي علي، وقد علل أبو حيان هذا الاتجاه بقوله: "لأنه إذا لم يكن ضمير الشأن كان عائدا على الله تعالى فيصير التقدير: "الله الله" فينعقد مبتدأ وخبر من اسمين متحدين لفظا ومعنى ولا نسبة بينهما إسنادية، وذلك لا يجوز" اهـ.