محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

[ 3 ] { وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون ( 3 ) } .

{ وهو الله في السماوات وفي الأرض } أي المعبود فيهما ، { يعلم سركم وجهركم } أي من الأقوال أو الدواعي والصوارف القلبية وأعمال الجوارح ، { ويعلم ما تكسبون } أي : ما تفعلونه من خير أو شر ، فيثيب عليه ويعاقب . وتخصيصه بالذكر ، مع اندراجه فيما سبق ، على التفسير الثاني للسر والجهر- لإظهار كمال الاعتناء به لأنه الذي يتعلق به الجزاء ، وهو السر في إعادة { يعلم } .

قال الناصر {[3351]}في ( الانتصاف ) : وما هاتان الآيتان الكريمتان- يعني الآية وآية الزخرف ، وهي قوله تعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } - إلا توأمتان . فإن التمدح في آية الزخرف ، وقع بما وقع التمدح به ههنا من القدرة على الإعادة والاستئثار بعلم الساعة والتوحد في الألوهية . وفي كونه تعالى المعبود في السماوات والأرض .

وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : للمفسرين في هذه الآية أقوال ، بعد اتفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول ، القائلين- تعالى عن قولهم علوا كبيرا- بأنه في كل مكان ، حيث حملوا الآية على ذلك . فالأصح من الأقوال أنه المدعو في السماوات والأرض ، أي : / يعبده ويوحده ويقر له بالإلهية من في السماوات ومن في الأرض ، ويسمونه الله ، ويدعونه رغبا ورهبا{[3352]} إلا من كفر من الجن والإنس . وهذه الآية- على هذا القول- كقوله تعالى : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } . أي : هو إله من في المساء وإله من في الأرض . وعلى هذا . فيكون قوله : { يعلم سركم وجهركم } خبرا أو حالا .

والقول الثاني- إن قوله : { في السماوات وفي الأرض } تقديره : وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات . . . الخ .

والقول الثالث- إن قوله : { وهو الله في السماوات } وقف تام ثم استأنف الخبر فقال : { وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } وهذا اختيار ابن جرير . انتهى .

ورجح ابن عطية في الآية : أنه الذي يقال له ( الله ) فيهما . قال : وهذا عندي أفضل الأقوال ، وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ ، وجزالة المعنى . وإيضاحه : أنه أراد أن يدل على خلقه ، وآيات قدرته ، وإحاطته واستيلائه ، ونحو هذه الصفات . فجمع هذه كلها في قوله : { وهو الله- الذي له هذه كلها- في السماوات وفي الأرض } كأنه قال : وهو الخالق والرازق والمحيي والمميت فيهما .

تنبيه :

قال الرازي : الآية تدل على كون الإنسان مكتسبا للفعل ، والكسب هو الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع ، أو دفع ضر . ولهذا السبب لا يوصف فعل الله بأنه كسب ، لكونه تعالى منزها عن جلب النفع ، ودفع الضر- والله أعلم- .


[3351]:- [43/ الزخرف/ 84] ونصها: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم (84)}.
[3352]:- يشير إلى قوله تعالى في: [21/ الأنبياء/ 90] ونصها: {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين (90)}.