ثم قرر أنه سبحانه عالم بجميع المعلومات ردّاً على من زعم أنه غير عالم بالجزيئات فلا يمكنه تمييز المطيع من العاصي ولا تمييز أجزاء بدن زيد عن أجزاء بدن عمرو فقال { وهو الله في السموات وفي الأرض } وزعمت المجسمة بهذا وبنحو قوله { أم أمنتم من في السماء } [ الملك : 17 ] أنه سبحانه مستقر في السماء قالوا : ويؤكده وقف بعض القراء على السموات والابتداء بقوله { وفي الأرض يعلم سركم } أي يعلم سرائركم الموجودة في الأرض . ولو سلم أن لا وقف فالإجماع حاصل على أنه ليس موجوداً في الأرض ، ولا يلزم من ترك العلم بأحد الظاهرين ترك العمل بالظاهر الآخر من دليل . ونوقض بأنه تعالى قال في مواضع { لله ما في السموات } [ البقرة : 284 ] فلو كان هو في السماء لزم أن يكون مالكاً لنفسه ، ولا يخفى ضعف هذا النقض لأنه مخصوص بالقرينة كقوله { إن الله على كل شيء قدير } [ البقرة : 20 ] وبأنه إما أن يراد كونه في سماء واحدة وهو ترك الظاهر ، أو في جميع السموات وهو يقتضي كونه ذا أجزاء أو حصول المتحيز الواحد في مكانين وكلاهما محال . والحق أنه لا يلزم من استصحاب المكان الافتقار إليه ولا التجسيم والتجزئة وهو دقيق يفهمه من وفق له ، وبأنه لو كان موجوداً في السموات لكان محدوداً متناهياً فيكون قابلاً للزيادة والنقصان ، فيكون اختصاصه بمقدار معين لمخصص فيكون محدثاً . ويرد عليه أنه لم لا يجوز أن يكون في السموات وفوقها إلى ما لا يتناهى لاسيما عند من يقول إن وراء هذا العالم خلاء غير متناه ، وبأنه لو كان في السموات فإن لم يقدر عل عالم آخر فوقها لزم تعجيزه ، وإن قدر فلو فعل لحصل تحت ذلك العالم والقوم ينكرون كونه تحت العالم ، والاعتراض أنه لا يلزم من القدرة الإيجاد ، وقال غير المجسمة : المراد وهو الله في تدبير السموات والأرض كما يقال : فلان في أمر كذا أي في تدبيره وإصلاحه . وعلى هذا يكون { في السموات } خبراً بعد خبر ، ويوقف على اسم الله ثم يبتدئ بما بعد ذلك ويكون المعنى أنه يعلم في السموات والأرض سرائر الملائكة والإنس والجن ، أو المراد وهو المعبود فيهما ، أو المعروف بالإلهية أو المتوحد بها ، أو هو الذي يقال له الله فيهما لا شريك له في هذا الاسم . والسر من صفات القلوب وهي الدواعي والصوارف ، والجهر من أعمال الجوارح ، ولأن الأول مقدم على الثاني طبعاً فلا جرم قدم عليه وضعاً . والجملة أعني قوله { يعلم سركم وجهركم } مقررة لما قبلها أو خبر ثالث أو كلام مبتدأ . { ويعلم ما تكسبون } الكسب أخص من الأعمال السرية والجهرية لأنه الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو اندفاع ضر ولهذا لا يوصف فعل الله تعالى بأنه كسب . وإفراد الأخص بالذكر بعد الأعم للتقرير والتأكيد ، أو لكونه أهم حسن لا يلزم منه عطف الشيء على نفسه . والمراد أنه عالم بما يستحقه الإنسان على أفعاله من ثواب أو عقاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.