غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ} (3)

1

ثم قرر أنه سبحانه عالم بجميع المعلومات ردّاً على من زعم أنه غير عالم بالجزيئات فلا يمكنه تمييز المطيع من العاصي ولا تمييز أجزاء بدن زيد عن أجزاء بدن عمرو فقال { وهو الله في السموات وفي الأرض } وزعمت المجسمة بهذا وبنحو قوله { أم أمنتم من في السماء } [ الملك : 17 ] أنه سبحانه مستقر في السماء قالوا : ويؤكده وقف بعض القراء على السموات والابتداء بقوله { وفي الأرض يعلم سركم } أي يعلم سرائركم الموجودة في الأرض . ولو سلم أن لا وقف فالإجماع حاصل على أنه ليس موجوداً في الأرض ، ولا يلزم من ترك العلم بأحد الظاهرين ترك العمل بالظاهر الآخر من دليل . ونوقض بأنه تعالى قال في مواضع { لله ما في السموات } [ البقرة : 284 ] فلو كان هو في السماء لزم أن يكون مالكاً لنفسه ، ولا يخفى ضعف هذا النقض لأنه مخصوص بالقرينة كقوله { إن الله على كل شيء قدير } [ البقرة : 20 ] وبأنه إما أن يراد كونه في سماء واحدة وهو ترك الظاهر ، أو في جميع السموات وهو يقتضي كونه ذا أجزاء أو حصول المتحيز الواحد في مكانين وكلاهما محال . والحق أنه لا يلزم من استصحاب المكان الافتقار إليه ولا التجسيم والتجزئة وهو دقيق يفهمه من وفق له ، وبأنه لو كان موجوداً في السموات لكان محدوداً متناهياً فيكون قابلاً للزيادة والنقصان ، فيكون اختصاصه بمقدار معين لمخصص فيكون محدثاً . ويرد عليه أنه لم لا يجوز أن يكون في السموات وفوقها إلى ما لا يتناهى لاسيما عند من يقول إن وراء هذا العالم خلاء غير متناه ، وبأنه لو كان في السموات فإن لم يقدر عل عالم آخر فوقها لزم تعجيزه ، وإن قدر فلو فعل لحصل تحت ذلك العالم والقوم ينكرون كونه تحت العالم ، والاعتراض أنه لا يلزم من القدرة الإيجاد ، وقال غير المجسمة : المراد وهو الله في تدبير السموات والأرض كما يقال : فلان في أمر كذا أي في تدبيره وإصلاحه . وعلى هذا يكون { في السموات } خبراً بعد خبر ، ويوقف على اسم الله ثم يبتدئ بما بعد ذلك ويكون المعنى أنه يعلم في السموات والأرض سرائر الملائكة والإنس والجن ، أو المراد وهو المعبود فيهما ، أو المعروف بالإلهية أو المتوحد بها ، أو هو الذي يقال له الله فيهما لا شريك له في هذا الاسم . والسر من صفات القلوب وهي الدواعي والصوارف ، والجهر من أعمال الجوارح ، ولأن الأول مقدم على الثاني طبعاً فلا جرم قدم عليه وضعاً . والجملة أعني قوله { يعلم سركم وجهركم } مقررة لما قبلها أو خبر ثالث أو كلام مبتدأ . { ويعلم ما تكسبون } الكسب أخص من الأعمال السرية والجهرية لأنه الفعل المفضي إلى اجتلاب نفع أو اندفاع ضر ولهذا لا يوصف فعل الله تعالى بأنه كسب . وإفراد الأخص بالذكر بعد الأعم للتقرير والتأكيد ، أو لكونه أهم حسن لا يلزم منه عطف الشيء على نفسه . والمراد أنه عالم بما يستحقه الإنسان على أفعاله من ثواب أو عقاب .

/خ11