قوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } ، قرأ الكسائي بطون أمهاتكم بكسر الهمزة ، وقرأ حمزة بكسر الميم والهمزة ، والباقون بضم الهمزة وفتح الميم ، { لا تعلمون شيئاً } ، تم الكلام ، ثم ابتدأ فقال جل وعلا : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } ؛ لأن الله تعالى جعل هذه الأشياء لهم قبل الخروج من بطون الأمهات ، وإنما أعطاهم العلم بعد الخروج ، { لعلكم تشكرون } ، نعمه من كون السمع ، والأبصار ، والأفئدة قبل الخروج ؛ إذ يسمع الطفل ويبصر ، ولا يعلم ، وهذه الجوارح من غير هذه الصفات كالمعدوم . كما قال فيمن لا يسمع الحق ، ولا يبصر العبر ، ولا يعقل الثواب : { صم بكم عمي فهم لا يرجعون } ، لا يشكرون نعمه .
{ 78 } { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
أي : هو المنفرد بهذه النعم ، حيث { أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا } ، ولا تقدرون على شيء ، ثم إنه { جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ } ، خص هذه الأعضاء الثلاثة ؛ لشرفها وفضلها ؛ ولأنها مفتاح لكل علم ، فلا وصل للعبد علم إلا من أحد هذه الأبواب الثلاثة ، وإلا فسائر الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة هو الذي أعطاهم إياها ، وجعل ينميها فيهم شيئا فشيئا ، إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به ، وذلك لأجل أن يشكروا الله ، باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله ، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجة عليه ، وقابل النعمة بأقبح المقابلة .
ثم ساق - تعالى - بعد ذلك أنواعا من نعمه على عباده فقال : { والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } ، أي : والله - تعالى - وحده هو الذي أخرجكم - أيها الناس - من بطون أمهاتكم إلى هذه الدنيا ، وأنتم لا تعلمون شيئا ، لا من العلم الدنيوي ولا من العلم الديني ، ولا تعرفون ما يضركم أو ينفعكم ، والجملة الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً . . } . وجملة : { لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } ، حال من الكاف في { أخرجكم } .
وقوله - سبحانه - : { وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، نعمة ثانية من نعمة الله - سبحانه - التي لا تحصى .
أي : أن من نعمة الله - تعالى - أنه أخرجكم من بطون أمهاتكم ، - بعد أن مكثتم فيها شهورا تحت كلاءته ورعايته - ، وأنتم لا تعرفون شيئا ، وركب فيكم بقدرته النافذة ، وحكمته البالغة ، { السمع } الذي تسمعون به ، والبصر الذي بواسطته تبصرون ، { والأفئدة } التي عن طريقها تعقلون وتفقهون ، لعلكم بسبب كل هذه النعم التي أنعمها عليكم ، تشكرونه حق الشكر ، بأن تخلصوا له العبادة والطاعة ، وتستعملوا نعمه في مواضعها التي وجدت من أجلها .
قال الجمل : وجملة : { وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار . . . } ابتدائية ، أو معطوفة على ماقبلها ، والواو لا تقتضي ترتيبا ، فلا ينافي أن هذا الجعل قبل الإِخراج من البطون . ونكتة تأخيره ، - أي الجعل - ، أن السمع ونحوه من آلات الإدراك ، إنما يعتد به إذا أحس الإِنسان وأدرك ، وذلك لا يكون إلا بعد الإِخراج . وقدم السمع على البصر ؛ لأنه طريق تلقي الوحي ، أو لأن إدراكه أقدم ، من إدراك البصر . وإفراده ، - أي السمع - ، باعتبار كونه مصدرا في الأصل . . . .
وقال الإِمام ابن كثير : " وهذه القوى والحواس تحصل للإِنسان على التدريج قليلا قليلا ، حتى يبلغ أشده . وإنما جعل - تعالى - هذه الحواس في الإِنسان ليتمكن بها من عبادة ربه ، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه ، كما جاء في صحيح البخاري عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول تعالى - : " من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب . وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل مما افترضت عليه ، ولايزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن دعاني لأجيبنه ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وماترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأكره مساءته ، ولابد له منه " . فمعنى الحديث أن العبد إذا أخلص الطاعة ، صارت أفعاله كلها لله ، فلا يسمع إلا لله ، ولا يبصر إلا لله ، أي : لما شرعه الله له . . .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { قُلْ هُوَ الذي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }
ثم ذكر تعالى منَّتَه على عباده ، في إخراجه{[16611]} إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئًا ، ثم بعد هذا يرزقهم{[16612]} تعالى السمع الذي به يدركون الأصوات ، والأبصار اللاتي بها يحسون المرئيات ، والأفئدة - وهي العقول - التي مركزها القلب على الصحيح ، وقيل : الدماغ ، والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها . وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا ، كلما كبر زِيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده .
وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان ؛ ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى ، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه ، كما جاء في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول تعالى : من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بمثل{[16613]} أداء ما افترضت عليه . ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبَّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي{[16614]} يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطيته ، ولئن دعاني لأجيبنه ، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته ، ولا بد له منه " {[16615]} .
فمعنى الحديث : أن العبد إذا أخلص الطاعة صارت أفعاله كلها لله عز وجل ، فلا يسمع إلا الله ، ولا يبصر إلا الله ، أي : ما شرعه الله له ، ولا يبطش ولا يمشي إلا في طاعة الله عز وجل ، مستعينا بالله في ذلك كله ؛ ولهذا جاء في بعض رواية الحديث في غير الصحيح ، بعد قوله : " ورجله التي يمشي بها " : " فبي يسمع ، وبي يبصر ، وبي يبطش ، وبي يمشي " ؛ ولهذا قال تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، كما قال في الآية الأخرى : { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ الملك : 23 ، 24 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ، من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون ، فرزقكم عقولاً تفقهون بها ، وتميزون بها الخير من الشرّ ، وبصرّكم بها ما لم تكونوا تبصرون ، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات ، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم ، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص ، فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض . و " الأفْئِدَةَ " يقول : والقلوب التي تعرفون بها الأشياء ، فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها . { لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، يقول : فعلنا ذلك بكم ، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك ، دون الآلهة والأنداد ، فجعلتم له شركاء في الشكر ، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك .
وقوله : { وَاللّهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا } كلام متناه ، ثم ابتدىء الخبر ، فقيل : وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة . وإنما قلنا ذلك كذلك ؛ لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم ، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم .
وقوله : { والله أخرجكم } ، الآية ، آية تعديد نعمة بينة لا ينكرها عاقل ، وهي نعمة معها كفرها وتصريفها في الإشراك بالذي وهبها ، فالله عز وجل أخبر بأنه أخرج ابن آدم لا يعلم شيئاً ، ثم جعل حواسه التي قد وهبها له في البطن سلماً إلى درك المعارف ، ليشكر على ذلك ويؤمن بالمنعم عليه ، و «أمهات » أصله أمات ، وزيدت الهاء مبالغة وتأكيداً ، كما زادوا الهاء في أهرقت الماء ، قاله أبو إسحاق ، وفي هذا المثل نظر وقول غير هذا ، وقرأ حمزة والكسائي : «إمهاتكم » ، بكسر الهمزة ، وقرأ الأعمش : «في بطون أمِّهاتكم » ، بحذف الهمزة وكسر الميم المشددة ، وقرأ ابن أبي ليلى بحذف الهمزة وفتح الميم مشددة ، قال أبو حاتم : حذف الهمزة ردي ولكن قراءة ابن أبي ليلى أصوب{[7388]} . والترجي الذي في «لعل » هو بحسبنا ، وهذه الآية تعديد نعم وموضع اعتبار{[7389]} .
عود إلى إكثار الدلائل على انفراد الله بالتصرّف وإلى تعداد النّعم على البشر عطفاً على جملة { والله جعل لكم من أنفسكم } [ النحل : 72 ] بعدما فصل بين تعداد النّعم بما اقتضاه الحال من التذكير والإنذار .
وقد اعتبر في هذه النّعم ما فيها من لطف الله تعالى بالناس ليكون من ذلك التخلّص إلى الدعوة إلى الإسلام وبيان أصول دعوة الإسلام في قوله تعالى : { كذلك يتم نعمته عليكم لعلّكم تسلمون } [ سورة النحل : 81 ] إلى آخره .
والمعنى : أنه كما أخرجكم من عدم وجعل فيكم الإدراك وما يتوقّف عليه الإدراك من الحياة فكذلك ينشئكم يوم البعث بعد العدم .
وإذ كان هذا الصّنع دليلاً على إمكان البعث فهو أيضاً باعث على شكر الله بتوحيده ونبذ الإشراك فإن الإنعام يبعث العاقل على الشكر .
وافتتاح الكلام باسم الجلالة وجعل الخبر عنه فعلاً تقدم بيانه عند قوله تعالى : { والله أنزل من السماء ماء } [ سورة النحل : 65 ] والآيات بعدهُ .
والإخراج الإبراز من مكان إلى آخر .
والأمّهات : جمع أمّ . وقد تقدم عند قوله تعالى : { حرّمت عليكم أمّهاتكم } في سورة النساء ( 23 ) .
والبَطن : ما بين ضلوع الصدر إلى العانة ، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم .
وجملة { لا تعلمون شيئاً } حال من الضمير المنصوب في { أخرجكم } . وذلك أن الطفل حين يولد لم يكن له علم بشيء ثم تأخذ حواسّه تنقل الأشياء تدريجاً فجعل الله في الطفل آلات الإدراك وأصول التفكّر .
فقوله تعالى : { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } تفسيره أنه أوجد فيكم إدراك السمع والبصر والعقل ، أي كوّنها في الناس حتى بلغت مبلغ كمالها الذي ينتهي بها إلى علم أشياء كثيرة ، كما دلّت عليه مقابلته بقوله تعالى : { لا تعلمون شيئاً } ، أي فعلمتم أشياء .
ووجه إفراد السّمع وجمع الأبصار تقدم عند قوله تعالى : { أمّن يملك السمع والأبصار } في سورة يونس ( 31 ) ، وقوله تعالى ؛ { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } في سورة الأنعام ( 46 ) .
و { الأفئدة } : جمع الفؤاد ، وأصله القلب . ويطلق كثيراً على العقل وهو المراد هنا . فالسمع والبصر أعظم آلات الإدراك إذ بهما إدراك أهم الجزئيّات ، وهما أقوى الوسائل لإدراك العلوم الضرورية .
فالمراد بالسمع : الإحساس الذي به إدراك الأصوات الذي آلته الصمّاخ ، وبالإبصار : الإحساسُ المدرك للذّوات الذي آلته الحدقة . واقتصر عليهما من بين الحواس لأنهما أهمّ ، ولأن بهما إدراك دلائل الاعتقاد الحقّ .
ثم ذكر بعدهما الأفئدة ، أي العقل مقرّ الإدراك كلّه ، فهو الذي تنقل إليه الحواس مدركاتِها ، وهي العلم بالتصوّرات المفردة .
وللعقل إدراك آخر وهو إدراك اقتران أحد المعلومين بالآخر ، وهو التصديقات المنقسمة إلى البديهيّات : ككون نفي الشيء وإثباته من سائر الوجوه لا يجتمعان ، وككون الكلّ أعظم من الجزء .
وإلى النظريات وتُسمّى الكسبيّات ، وهي العلم بانتساب أحد المعلومين إلى الآخر بعد حركة العقل في الجمع بينهما أو التّفريق ، مثل أن يحضر في العقل : أن الجسم ما هو ، وأن المحدَث بفتح الدال ما هو .
فإن مجرد هذين التصوّرين في الذهن لا يكفي في جزم العقل بأن الجسم محدث بل لا بد فيه من علوم أخرى سابقة وهي ما يدلّ على المقارنة بين ماهية الجسمية وصفةِ الحدوث .
فالعلوم الكسبية لا يمكن اكتسابها إلا بواسطة العلوم البديهية . وحصول هذه العلوم البديهية إنما يحصل عند حدوث تصوّر موضوعاتها وتصوّر محمولاتها . وحدوث هذه التصوّرات إنما هو بسبب إعانة الحواس على جزئياتها ، فكانت الحواس الخمس هي السبب الأصلي لحدوث هذه العلوم ، وكان السمع والبصر أول الحواس تحصيلاً للتصوّرات وأهمّها .
وهذه العلوم نعمة من الله تعالى ولطف ، لأن بها إدراك الإنسان لما ينفعه وعمَلَ عقله فيما يدلّه على الحقائق ، ليسلم من الخطأ المفضي إلى الهلاك والأرزاء العظيمة ، فهي نعمة كبرى . ولذلك قال تعالى عقب ذكرها { لعلكم تشكرون } ، أي هي سبب لرجاء شكرهم واهبَها سبحانه .
والكلام على معنى { لعلكم تشكرون } مضى غير مرة في نظيره ومماثله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}، فعلمكم بعد ذلك الجهل، {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}، يعني: القلوب، {لعلكم تشكرون}، رب هذه النهم تعالى ذكره في حسن خلقكم فتوحدونه.
قال الشافعي: فعرف جميع خلقه في كتابه: أن لا علم إلا ما علمهم، فقال عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} وقال: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاء}.
ثم منَّ عليهم بما آتاهم من العلم، وأمرهم بالاقتصار عليه، وأن لا يتولوا غيره إلا بما علَّمهم. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنَ اَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا اَلْكِتَابُ وَلا اَلاِيـمَانُ}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولاً تفقهون بها، وتميزون بها الخير من الشرّ، وبصرّكم بها ما لم تكونوا تبصرون، وجعل لكم السمع الذي تسمعون به الأصوات، فيفقه بعضكم عن بعض ما تتحاورون به بينكم، والأبصار التي تبصرون بها الأشخاص، فتتعارفون بها وتميزون بها بعضا من بعض...
و "الأفْئِدَةَ "يقول: والقلوب التي تعرفون بها الأشياء، فتحفظونها وتفكرون فتفقهون بها...
{لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: فعلنا ذلك بكم، فاشكروا الله على ما أنعم به عليكم من ذلك، دون الآلهة والأنداد، فجعلتم له شركاء في الشكر، ولم يكن له فيما أنعم به عليكم من نعمه شريك...
{وَاللّهُ أخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أمّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئا} كلام متناه، ثم ابتدىء الخبر، فقيل: وجعل الله لكم السمع والأبصار والأفئدة. وإنما قلنا ذلك كذلك؛ لأن الله تعالى ذكره جعل العبادة والسمع والأبصار والأفئدة قبل أن يخرجهم من بطون أمهاتهم، وإنما أعطاهم العلم والعقل بعدما أخرجهم من بطون أمهاتهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}، يحتمل وجهين:...
أحدهما: يذكر بهذا قدرته وسلطانه على ما سبق من سرعة القيامة والعلم بها والحكمة التي جعل في البعث، فقال: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}، خلق الولد في ظلمات ثلاث، وجعل غذاءه بغذاء الأمهات وبقواهن، ثم تقلبه في تلك الظلمات من حال إلى حال؛ ما لو اجتهد الخلائق أن يعلموا اغْتِذَاءَهُ بغذاء الأمهات، وتقلبه من حال إلى حال، ومن جوهر إلى جوهر، لما قدروا على ذلك. فيدل هذا على أن من قدر على هذا، وعلم في تلك الظلمات قدر على البعث وإعادة الخلق بعد الفناء، وعلم ما غاب عن الخلق. ويُذكرنا نعمه ومننه علينا في بلوغنا إلى الأحوال التي صرنا إليها بعد ما كنا ما ذكر...
والثاني: يذكرنا أننا كنا بالحال التي ذكر؛ لنعلم أنه صيرنا في البطون بلا استعانة بأحد منا ولا عون منه إلى أحد، والله أعلم...
{وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة}، فمن قدر على جعل السمع حتى تسمع الأصوات، ويميز بينها، وجعل البصر والتمييز بين ألوان الأجسام والفؤاد ليُفْهَمَ، ويُعقل ما له، وما عليه، ما لا يدرك مئة ما به يسمعون، ويبصرون، ويعقلون، وما به يميزون بين ما ذكرنا. فمن قدر على هذا كله، قدر على إنشاء الخلق بعد الفناء، والإعادة بعد الموت...
ثم ذكر على إثر قوله: {لا تعلمون شيئا}، السمع والبصر والأفئدة. فذلك يدل على أن هذه الأشياء من أسباب العلم بالأشياء، وبها يوصل إلى العلم بالأشياء. فمن أعطي أسباب العلم بالشيء فكأن قد أعطي له العلم به، والله أعلم...
{لعلكم تشكرون}، هو حرف شك في الظاهر؛ ذَكَرَهُ، والله أعلم؛ لأنه لا كل الناس يشكرون نعمه، أو لكي يلزمهم الشكر...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
{وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ}: لتسمعوا خطابه، {وَالأَبْصَارَ} لتُبصِروا أفعالَه، {وَالأَفْئدَةَ} لِتَعْرِفُوا حقَّه، ثم لتَشكروا عظيم إنعامه عليكم بهذه الحواس...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا}... ومعناه: غير عالمين شيئاً من حق المنعم الذي خلقكم في البطون، وسوّاكم وصوّركم، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة. وقوله: {وَجَعَلَ لَكُمُ}، معناه: وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه، واجتلاب العلم والعمل به، من شكر المنعم، وعبادته، والقيام بحقوقه، والترقي إلى ما يسعدكم...
ثم إنه تعالى عاد إلى الدلائل الدالة على وجود الصانع المختار فقال: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا}...
الإنسان خلق في مبدأ الفطرة خاليا عن معرفة الأشياء...
ثم قال تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} والمعنى: أن النفس الإنسانية لما كانت في أول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم بالله، فالله أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم... وقال المفسرون: {وجعل لكم السمع} لتسمعوا مواعظ الله {والأبصار} لتبصروا دلائل الله، والأفئدة لتعقلوا عظمة الله... لأن الفوائد إنما خلق للمعارف الحقيقية والعلوم اليقينية، وأكثر الخلق ليسوا كذلك بل يكونون مشغولين بالأفعال البهيمية والصفات السبعية، فكأن فؤادهم ليس بفؤاد، فلهذا السبب ذكر في جمعه صيغة جمع القلة...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
والأفئدة -وهي العقول- التي مركزها القلب على الصحيح، وقيل: الدماغ، والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها. وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلا قليلا، كلما كبر زِيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده. وإنما جعل تعالى هذه في الإنسان؛ ليتمكن بها من عبادة ربه تعالى، فيستعين بكل جارحة وعضو وقوة على طاعة مولاه...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{أخرجكم}، بعلمه وقدرته... {من بطون أمهاتكم}، والذي أخرجكم منها قادر على إخراجكم من بطن الأرض بلا فرق، بل بطريق الأولى... حال كونكم عند الإخراج: {لا تعلمون شيئاً} من الأشياء قل أو جل... قوله: {وجعل لكم} بذلك أيضاً {السمع والأبصار والأفئدة}، آلات لإزالة الجهل الذي وقعت الولادة عليه، وفتق مواضعها وسواها وعدلها وأنتم في البطون حيث لا تصل إليه يده، ولا يتمكن من شق شيء منه بآلة، فالذي قدر على ذلك في البطون إبداعاً، قادر على إعادته في بطن الأرض، بل بطريق الأولى، ولعله جمعهما دون السمع؛ لأن التفاوت فيهما أكثر من التفاوت فيه بما لا يعلمه إلا الله... والأفئدة، هي: القلوب التي هيأها للفهم وإصلاح البدن، بما أودعها من الحرارة اللطيفة القابلة للمعاني الدقيقة...
{لعلكم تشكرون}، أي: لتصيروا -بمعارف القلوب التي وهبكموها إذا سمعتم المواعظ وأبصرتم الآيات- في حال يرجى فيها شكركم، لما أفاض عليكم من لطائف صنعه، بأن تعرفوا ما له من العلم والقدرة وحسن التعرف، فتعترفوا له بجميع ما أتتكم به رسله، وأهمه الذي تبنى عليه جميع مقاصد الأصول... أو المنعم عليكم بهذه النعم إله واحد، عالم بكل شيء، قادر على كل شيء، فاعل بالاختيار، وأن الطبائع من جملة مقدوراته، لا فعل لها إلا بتصريفه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويقرب القرآن الأمر بعرض مثل صغير من حياة البشر، تعجز عنه قواهم ويعجز عنه تصورهم، وهو يقع في كل لحظة من ليل أو نهار:... وهو غيب قريب، ولكنه موغل بعيد. وأطوار الجنين قد يراها الناس، ولكنهم لا يعلمون كيف تتم، لأن سرها هو سر الحياة المكنون. والعلم الذي يدعيه الإنسان ويتطاول به ويريد أن يختبر به أمر الساعة وأمر الغيب، علم حادث مكسوب... (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) ومولد كل عالم وكل باحث، ومخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئا قريب قريب! وما كسبه بعد ذلك من علم هبة من الله بالقدر الذي أراده للبشر، وجعل فيه كفاية حياتهم على هذا الكوكب، في المحيط المكشوف لهم من هذا الوجود...
(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) والقرآن يعبر بالقلب ويعبر بالفؤاد عن مجموع مدارك الإنسان الواعية؛ وهي تشمل ما اصطلح على أنه العقل، وتشمل كذلك قوى الإلهام الكامنة المجهولة الكنه والعمل... جعل لكم السمع والأبصار والأفئدة
(لعلكم تشكرون) حين تدركون قيمة النعمة في هذه وفي سواها من آلاء الله عليكم. وأول الشكر: الإيمان بالله الواحد المعبود...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عود إلى إكثار الدلائل على انفراد الله بالتصرّف وإلى تعداد النّعم على البشر... والمعنى: أنه كما أخرجكم من عدم وجعل فيكم الإدراك وما يتوقّف عليه الإدراك من الحياة فكذلك ينشئكم يوم البعث بعد العدم...
وإذ كان هذا الصّنع دليلاً على إمكان البعث فهو أيضاً باعث على شكر الله بتوحيده ونبذ الإشراك فإن الإنعام يبعث العاقل على الشكر...
والإخراج الإبراز من مكان إلى آخر...
والبَطن: ما بين ضلوع الصدر إلى العانة، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم...
وجملة {لا تعلمون شيئاً} حال من الضمير المنصوب في {أخرجكم}. وذلك أن الطفل حين يولد لم يكن له علم بشيء ثم تأخذ حواسّه تنقل الأشياء تدريجاً فجعل الله في الطفل آلات الإدراك وأصول التفكّر...
فالمراد بالسمع: الإحساس الذي به إدراك الأصوات الذي آلته الصمّاخ، وبالإبصار: الإحساسُ المدرك للذّوات الذي آلته الحدقة. واقتصر عليهما من بين الحواس لأنهما أهمّ، ولأن بهما إدراك دلائل الاعتقاد الحقّ...
ثم ذكر بعدهما الأفئدة، أي العقل مقرّ الإدراك كلّه، فهو الذي تنقل إليه الحواس مدركاتِها، وهي العلم بالتصوّرات المفردة...
وللعقل إدراك آخر وهو إدراك اقتران أحد المعلومين بالآخر، وهو التصديقات المنقسمة إلى البديهيّات... وإلى النظريات وتُسمّى الكسبيّات، وهي العلم بانتساب أحد المعلومين إلى الآخر بعد حركة العقل في الجمع بينهما أو التّفريق... فالعلوم الكسبية لا يمكن اكتسابها إلا بواسطة العلوم البديهية...
وهذه العلوم نعمة من الله تعالى ولطف، لأن بها إدراك الإنسان لما ينفعه وعمَلَ عقله فيما يدلّه على الحقائق، ليسلم من الخطأ المفضي إلى الهلاك والأرزاء العظيمة، فهي نعمة كبرى. ولذلك قال تعالى عقب ذكرها {لعلكم تشكرون}، أي هي سبب لرجاء شكرهم واهبَها سبحانه...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأبْصَارَ}، حيث زوّدكم بأدوات المعرفة الحسية، {وَالأَفْئِدَةَ}، وهي أدوات المعرفة العقلية...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فمن الطبيعي أنّكم في ذلك المحيط المحدود المظلم تجهلون كل شيء، ولكنْ عندما تنتقلون إلى هذا العالم فليس من الحكمة أن تستمروا على حالة الجهل، ولهذا فقد زودكم الباري سبحانه بوسائل إِدراك الحقائق ومعرفة الموجودات، (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة)؛ لكي يتحرك حس الشكر للمنعم في أعماقكم، من خلال إِدراككم لهذه النعم الربانية الجليلة، (لعلكم تشكرون)...
إِنّنا عند الولادة نكون في غفلة عن كل شيء، حتى عن أنفسنا التي بين جنبينا، إِلاّ أن مسألة إِدراك الحقائق تكمن فينا بصورة القوّة لا الفعل، وبالتدريج تحصل لأعيننا قوّة النظر، ولآذاننا قوة السمع، ولعقولنا القدرة على الإِدراك والتجزئة والتحليل، فننعم بهذه العطايا الإِلهية الثلاث، التي بواسطتها نستطيع أن ندرك كثيراً من التصورات ونودعها في العقل؛ لكي ننشئ منها مفاهيم كلية، ومن ثمّ نصل إلى الحقائق العقلية بطريق (التعميم) و (التجريد)...
وتصل قدرتنا الفكرية إلى إِدراك أنفسنا، (باعتبارها علماً حضورياً)، ومن ثمّ تتحرر العلوم التي أُودعت فينا قوةً؛ لتصبح علوماً بالفعل، ونجعل بعد ذلك من العلوم البديهية والضرورية سلّماً للوصول إلى العلوم النظرية وغير البديهية...
وعلى هذا.. فالعموم والكلية التي نطقت بها الآية، (من أنّنا لا نعلم شيئاً عند الولادة)، ليس لها استثناء ولا تخصيص...
فمعرفتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق أجهزة خاصّة منها السمع والبصر. وتنقل هذه الآلات والأجهزة كل ما تلتقطه من الخارج لتودعه في أذهاننا وعقولنا، ونقوم بواسطة العقل والفكر بعملية التجزئة والتحليل.. ولذلك بيّنت الآية مسألة عدم علم الإِنسان المطلق حين الولادة... (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة)؛ لكي تحصلوا على حقائق الوجود وتدركوها...
ونشاهد تقديم ذكر السمع على البصر في الآية، مع ما للعين من عمل أوسع من السمع، ولعل ذلك لسبق الأذن في العمل على العين بعد الولادة، حيث إنّ العين كانت في ظلام دامس، (في رحم الأم)، ونتيجة لشدّة أشعة النّور، (بعد الولادة)، فإِنّها لا تستطيع العمل مباشرة بسبب حساسيتها، وإِنّما تتدرج في اعتيادها على مواجهة النّور، حتى تصل للحالة الطبيعية المعتادة، ولذا نجد الوليد في بداية أيّامه الأُولى مغلق العين. أمّا بخصوص الأذن.. فثمة مَنْ يعتقد بأنّ لها القدرة على السماع، (قليلا أو كثيراً)، وهي في عالم الأجنّة، وأنّها تسمع دقات قلب الأم وتعتاد عليها!... أضف إلى ذلك أنّ الإِنسان إِنّما يرى بعينه الأشياء الحسيّة فقط، في حين أن الأذن تعتبر وسيلة للتربية والتعليم في جميع المجالات، فالإِنسان يصل بواسطة سماع الكلمات إلى معرفة جميع الحقائق، سواء ما كان منها في دائرة الحس، أو ما كان خارجها، وليس للعين هذه السعة، وصحيح أنّ الإِنسان يمكنه تحصيل العلم بواسطة القراءة، إِلاّ أنّ القراءة ليست عامّة لكل الناس، وسماع الكلمات أمر عام...
وعلى أية حال، فآلات المعرفة وإِن لم تنحصر بهذه الأجهزة الثلاث، إِلاّ أنّها أفضل الأجهزة جميعاً؛ لأنّ علم الإِنسان إِمّا أن يكون عن طريق التجربة، أو عند طريق الاستدلالات العقلية، ولا تجربة بدون السمع والبصر، ولا استدلالات عقلية من غير الفؤاد: (العقل)...
لعلكم تشكرون... تعتبر نعمة أجهزة تحصيل العلم من أفضل النعم التي وهبها اللّه للإِنسان، فلا يقتصر دور العين والأذن، (مثلا) على النظر إلى آثار اللّه في خلقه، والاستماع إلى أحاديث أنبياء اللّه وأوليائه، وتفهم ذلك وتدركه بالتحليل والاستنتاج، بل إِنّ كل خطوة نحو التكامل والتقدم مرتبطة ارتباطا وثيقاً بهذه الوسائل الثلاثة. وغاية إِعطاء هذه الوسائل إِنّما تستوجب شكر الواهب؛ لأنّه من خلالها يمكن الحصول على العلم والمعرفة اللذين بهما امتاز الإِنسان عن غيره من الحيوانات. وممّا لا شك فيه أنّ الإِنسان ليقف عاجزاً أمام حق شكر المولى، وليس له إلاّ الاعتذار...