فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (78)

ثم إنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته ، ونهاية رأفته ، فقال : { والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } وهذا معطوف على قوله : { والله جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } منتظم معه في سلك أدلة التوحيد ، أي : أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالاً لا علم لكم بشيء ، وجملة { لا تعلمون شيئاً } في محل نصب على الحال ، وقيل : المراد : لا تعلمون شيئاً مما أخذ عليكم من الميثاق . وقيل : لا تعلمون شيئاً مما قضي به عليكم من السعادة والشقاوة . وقيل : لا تعلمون شيئاً من منافعكم . والأولى التعميم لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها اعتباراً بعموم اللفظ ، فإن { شيئاً } نكرة واقعة في سياق النفي . وقرأ الأعمش ، وابن وثاب ، وحمزة «إمهاتكم » بكسر الهمزة والميم هنا ، وفي النور ، والزمر ، والنجم . وقرأ الكسائي بكسر الهمزة وفتح الميم . وقرأ الباقون بضم الهمزة وفتح الميم .

{ وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة } أي : ركب فيكم هذه الأشياء ، وهو معطوف على { أخرجكم } وليس فيه دلالة على تأخير هذا الجعل عن الإخراج لما أن مدلول الواو هو مطلق الجمع . والمعنى : جعل لكم هذه الأشياء لتحصلوا بها العلم الذي كان مسلوباً عنكم عند إخراجكم من بطون أمهاتكم ، وتعملوا بموجب ذلك العلم من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه ، والأفئدة : جمع فؤاد ، وهو وسط القلب ، منزل منه بمنزلة القلب من الصدر ، وقد قدّمنا الوجه في إفراد السمع ، وجمع الأبصار والأفئدة ، وهو أن إفراد السمع لكونه مصدراً في الأصل يتناول القليل والكثير { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : لكي تصرفوا كل آلة فيما خلقت له ، فعند ذلك تعرفون مقدار ما أنعم الله به عليكم فتشكرونه ، أو أن هذا الصرف هو نفس الشكر .

/خ79