فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (78)

{ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 78 ) } .

{ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ( 78 ) أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 79 ) } .

ثم أنه سبحانه ذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته ونهاية رأفته ، فقال : { وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } ، معطوف على قوله : { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا } منتظم معه في سلك أدلة التوحيد ، أي : أخرجكم من بطون أمهاتكم أطفالا لا علم لكم بشيء ، ولا تعلمون شيئا مما أخذ عليكم من الميثاق ، وقيل : مما قضى به عليكم من السعادة والشقاوة ، وقيل : شيئا من منافعكم ، والأولى : التعميم ؛ لتشمل الآية هذه الأمور وغيرها ، اعتبارا بعموم اللفظ ، فإن شيئا نكرة واقعة في سياق النفي . { وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ } ، أي : ركب فيكم هذه الأشياء ، وليس فيه دلالة على تأخير هذا الجعل عن الإخراج ؛ لما أن مدلول الواو هو مطلق الجمع ، والمعنى : جعل لكم هذه الأشياء لتحصلوا بها العلم ، الذي كان مسلوبا عنكم عند إخراجكم من بطون أمهاتكم ، وتعملوا بموجب ذلك العلم ، من شكر المنعم ، وعبادته ، والقيام بحقوقه .

ونكتة تأخيره : أن السمع ونحوه من آلات الإدراك ، إنما يعتد به إذا أحس وأدرك ، وذلك بعد الإخراج ، وقدم السمع على البصر ؛ لأنه طريق تلقي الوحي ، أو لأن إدراكه أقدم من إدراك البصر ، والأفئدة : جمع فؤاد ، وهو وسط القلب ، منزل منه بمنزلة القلب من الصدر ، وقد قدمنا الوجه في إفراد السمع وجمع الأبصار والأفئدة ، وهو : أن إفراد السمع لكونه مصدرا في الأصل يتناول القليل والكثير ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، أي : لكي تصرفوا كل آلة فيما خلقت له ، فعند ذلك تعرفون مقدار ما أنعم الله به عليكم ، فتشكرونه أو أن هذا الصرف هو نفس الشكر .