ثم زاد في التأكيد بذكر حالة أخرى للإنسان دالة على غاية قدرته ونهاية رأفته فقال : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً } ، قال جار الله : هو في موضع الحال ، أي : غير عالمين شيئاً من حق المنعم الذي خلقكم في البطون وسوّاكم وصوّركم ، ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة . وقوله : { وجعل لكم } ، معناه : وما ركب فيكم هذه الأشياء إلا آلات ؛ لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه ، واجتلاب العلم ، والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والترقي إلى ما يسعدكم . { والأفئدة } ، في فؤاد كالأغربة في غراب ، وهو من جموع القلة التي تستعمل في مقام الكثرة أيضاً ؛ لعدم ورود غيرها . واعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الإنسان في مبدأ فطرته خال عن المعارف والعلوم ، إلا أنه تعالى خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوى المدركة ، حتى ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات ، وحضرت صورها في ذهنه ، ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق ، إن كان كافياً في جزم الذهب بثبوت بعضها لبعض ، أو انتفاء بعضها عن بعض ، فتلك الأحكام علوم بديهية ، وإن لم تكن كذلك ، بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها ، ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعاً ؛ للدور أو التسلسل ، فهي علوم كسبية . وظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أن الله تعالى أعطى الحواس والقوى الدرّاكة للصور الجزئية . وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة ، وهي التي ينبغي أن تسمى بالبديهيات ، وإنما لا يظهر آثارها عليها عند انفصال الجنين من الأم لضعف البدن واشتغالها بتدبيره ، حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئاً فشيئاً ، وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية . فالمراد بقوله : { لا تعلمون شيئاً } : أنه لا يظهر أثر العلم عليكم . ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب العلوم المتوقفة على التعلق . ومعنى : { لعلكم تشكرون } ، إرادة أن تصرفوا كل آلة فيما خلقت لأجله . وليس الواو للترتيب حتى يلزم من عطف { جعل } على { أخرج } ، أن يكون جعل السمع والبصر متأخراً عن الإخراج من البطن ، وقد مر في أول البقرة في تفسيره قوله : { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم } [ البقرة : 7 ] ، أنه لم وحد السمع وجمع غيره ؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.