قوله تعالى : { ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم } ، إني رسوله إليكم { ومن عنده علم الكتاب } ، يريد : مؤمني أهل الكتاب يشهدون أيضا على ذلك . قال قتادة : هو عبد الله بن سلام . وأنكر الشعبي هذا وقال : السورة مكية ، وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة . وقال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير ومن عنده علم الكتاب أهو عبد الله بن سلام ؟ فقال : وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكيه ؟ وقال الحسن ومجاهد : ومن عنده علم الكتاب هو الله عز وجل ، يدل عليه : قراءة عبد الله بن عباس ، ومن عنده ، بسكر الميم والدال ، أي : من عند الله عز وجل ، وقرأ الحسن وسعيد بن جبير ومن عنده بكسر الميم والدال علم الكتاب على الفعل المجهول ، دليل هذه القراءة قوله تعالى : { وعلمناه من لدنا علماً } [ الكهف-65 ] وقوله : { الرحمن * علم القرآن } [ الرحمن-1 ، 2 ] .
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا } أي : يكذبونك ويكذبون ما أرسلت به ، { قُلْ } لهم -إن طلبوا على ذلك شهيدا : { كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } وشهادته بقوله وفعله وإقراره ، أما قوله فبما أوحاه الله إلى أصدق خلقه مما يثبت به رسالته .
وأما فعله فلأن الله تعالى أيد رسوله ونصره نصرا خارجا عن قدرته وقدرة أصحابه وأتباعه وهذا شهادة منه له بالفعل والتأييد .
وأما إقراره ، فإنه أخبر الرسول عنه أنه رسوله ، وأنه أمر الناس باتباعه ، فمن اتبعه فله رضوان الله وكرامته ، ومن لم يتبعه فله النار والسخط وحل له ماله ودمه والله يقره على ذلك ، فلو تقول عليه بعض الأقاويل لعاجله بالعقوبة .
{ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } وهذا شامل لكل علماء أهل الكتابين ، فإنهم يشهدون للرسول من آمن واتبع الحق ، صرح بتلك الشهادة التي عليه ، ومن كتم ذلك فإخبار الله عنه أن عنده شهادة أبلغ من خبره ، ولو لم يكن عنده شهادة لرد استشهاده بالبرهان ، فسكوته يدل على أن عنده شهادة مكتومة .
وإنما أمر الله باستشهاد أهل الكتاب لأنهم أهل هذا الشأن ، وكل أمر إنما يستشهد فيه أهله ومن هم أعلم به من غيرهم ، بخلاف من هو أجنبي عنه ، كالأميين من مشركي العرب وغيرهم ، فلا فائدة في استشهادهم لعدم خبرتهم ومعرفتهم والله أعلم .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بالشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه صادق في رسالته فقال : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } .
أى : لست مرسلا من عند الله - تعالى - ، وقد حكى - سبحانه - قولهم الباطل هذا بصيغة الفعل المضارع ، للإِشارة إلى تكرار هذا القول منهم ، ولاستحضار أحوالهم العجيبة الدالة على إصرارهم على العناد والجحود .
وقوله : { قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } أمر من الله - تعالى - لرسوله بأن يرد عليهم بما يخرس ألسنتهم .
والباء الداخلة على اسم الجلالة الذي هو فاعل { كفى } في المعنى ، مزيدة للتأكيد ، وقوله { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } معطوف على اسم الجلالة ، والمراد بالموصول وبالكتاب الجنس .
والمعنى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - تكفى شهادة الله بينى وبينكم ، فهو يعلم صدق دعوتى ، ويعلم كذبكم ، ويعلم ذلك - أيضا - كل من كان على علم بالكتب السماوية السابقة فإنها قد بشرت برسالتى ، وجاءت أوصافى فيها . . .
وممن شهد لى بالنبوة ورقة بن نوفل ، فأنتم تعلمون أنه قال لى عندما أخبرته بما حدث لى في غار حراء : " هذا هو الناموس - أى الوحى - الذي أنزله الله على موسى " . . .
وقيل المراد بمن عنده علم الكتاب : المسلمون ، وبالكتاب : القرآن ، والأول أرجح لشموله لكل من كان عنده بالكتب السماوية السابقة ، إذ هذا الشمول أكثر دلالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه .
يقول : ويكذبك هؤلاء الكفار ويقولون : { لَسْتَ مُرْسَلا } أي : ما أرسلك الله ، { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } أي : حسبي الله ، وهو الشاهد علي وعليكم ، شاهد علي فيما بلغت عنه من الرسالة ، وشاهد عليكم أيها المكذبون فيما تفترونه من البهتان .
وقوله : { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } قيل : نزلت في عبد الله بن سلام قاله مجاهد .
وهذا القول غريب ؛ لأن هذه الآية مكية ، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، والأظهر في هذا ما قاله العوفي عن ابن عباس قال : هم من{[15729]} اليهود والنصارى .
وقال قتادة : منهم ابن سلام ، وسلمان ، وتميم الداري .
وقال مجاهد - في رواية - عنه : هو الله تعالى .
وكان سعيد بن جُبَيْر ينكر أن يكون المراد بها عبد الله بن سلام ، ويقول : هي مكية ، وكان يقرؤها : " ومن عنده عُلِمَ الكتابُ " ، ويقول : من عند الله .
وكذا قرأها مجاهد والحسن البصري .
وقد روى ابن جرير من حديث ، هارون الأعور ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها : " ومن عنده عُلِمَ الكتابُ " ، ثم قال : لا أصل له من حديث الزهري عند الثقات{[15730]} .
قلت : وقد رواه الحافظ أبو يعلى في مسنده ، من طريق هارون بن موسى هذا ، عن سليمان بن أرقم - وهو ضعيف - عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا كذلك . ولا يثبت . {[15731]} والله أعلم
والصحيح في هذا : أن { وَمَنْ عِنْدَهُ } اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة ، من بشارات الأنبياء به ، كما قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ } الآية[ الأعراف : 156 ، 157 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } الآية : [ الشعراء : 197 ] . وأمثال ذلك مما فيه الإخبار عن علماء بني إسرائيل : أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة ، وقد ورد في حديث الأحبار ، عن عبد الله بن سلام بأنه أسلم بمكة قبل الهجرة .
قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " دلائل النبوة " ، وهو كتاب جليل : حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني ، حدثنا عَبْدان بن أحمد ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، عن محمد بن حمزة بن يوسف ، بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، أن عبد الله بن سلام قال لأحبار اليهود : إني أردت أن أجَدد{[15732]} بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدا{[15733]} فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج ، فوجد رسول الله بمنى ، والناس حوله ، فقام مع الناس ، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنت عبد الله بن سلام ؟ " قال : قلت : نعم . قال : " ادن " . فدنوت منه ، قال : " أنشدك بالله يا عبد الله بن سلام ، أما تجدني في التوراة رسول الله ؟ " فقلت له : انعت ربنا ، قال : فجاء جبريل حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ سورة الإخلاص ] فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة فكتم إسلامه ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأنا فوق نخلة لي أجُدُّها ، فألقيت نفسي ، فقالت أمي : [ لله ]{[15734]} أنت ، لو كان موسى بن عمران ما كان لك أن تلقي نفسك من رأس النخلة . فقلت : والله لأني أسر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من موسى بن عمران إذ بُعث{[15735]} . وهذا حديث غريب جدا .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } .
يقول تعالى ذكره وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا بالله من قومك يا محمد لَسْتَ مُرْسَلاً تكذيبا منهم لك ، وجحودا لنبوّتك ، فَقُلْ لهم إذا قالوا ذلك : كَفَى باللّهِ يقول : قل حسبي الله شَهِيدًا ، يعني شاهدا ، بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ عليّ وعليكم بصدقي وكذبكم ، وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْم الكِتابِ ، فمن إذا قرىء به كذلك في موضع خفض عطفا به على اسم الله ، وكذلك قرأ قرأة الأمصار بمعنى : والذين عندهم علم الكتاب ، الكتب التي نزلت قبل القرآن كالتوراة والإنجيل ، وعلى هذه القراءة فسّر ذلك المفسرون . ذكر الرواية بذلك :
حدثني علي بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن أخي عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : نزلت فيّ : كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .
حدثنا الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا شعيب بن صفوان ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال : قال عبد الله بن سلام : أنزل فيّ : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ فالذين عندهم علم الكتاب : هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : هو عبد الله بن سلام .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، في قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : رجل من الإنس ، ولم يسمه .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ عبد الله بن سلام .
قال : حدثنا يحيى بن عباد ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قال : قول مشركي قريش : قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ أناس من أهل الكتاب كانوا يشهدون بالحقّ ويقرّون به ، ويعلمون أن محمدا رسول الله ، كما يحدّث أن منهم عبد الله بن سلام .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن قتادة : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال : كان منهم عبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسيّ ، وتميم الداريّ .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن سعيد ، عن قتادة : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ قال هو عبد الله بن سلام .
وقد ذُكر عن جماعة من المتقدمين أنهم كانوا يقرءونه : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » بمعنى : من عند الله علم الكتاب . ذكر من ذُكر ذلك عنه :
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هارون ، عن جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله عُلِم الكتاب .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .
قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب .
وقد حدثنا هذا الحديث الحسن بن محمد ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : هو الله ، هكذا قرأ الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » .
قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن ، مثله .
قال : حدثنا عليّ ، يعني ابن الجعد ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : الله ، قال شعبة : فذكرت ذلك للحكم ، فقال : قال مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت منصور بن زاذان يحدّث عن الحسن ، أنه قال في هذه الآية : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .
قال : حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله علم الكتاب ، هكذا قال ابن عبد الأعلى .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقرؤها : «قُلْ كَفَى باللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكتابُ » يقول : من عند الله علم الكتاب ، وجملته .
هكذا حدثنا به بشر : علم الكتاب ، وأنا أحسبه وَهَم فيه ، وأنه : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » لأن قوله وجملته اسم لا يعطف باسم على فعل ماض .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، عن هارُون : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله علم الكتاب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، قال : قلت لسعيد بن جبير : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » أهو عبد الله بن سلام ؟ قال : هذه السورة مكية ، فكيف يكون عبدَ الله بن سلام ؟ قال : وكان يقرؤها : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » يقول : من عند الله .
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قول الله : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » أهو عبد الله بن سلام ؟ قال : فكيف وهذه السورة مكية ، وكان سعيد يقرؤها : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عباد ، عن عوف ، عن الحسن وجويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، قالا : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » قال : من عند الله .
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بتصحيح هذه القراءة وهذا التأويل ، غير أن في إسناده نظرا ، وذلك ماحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني عباد بن العوّام ، عن هارون الأعور ، عن الزهريّ ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ : «وَمِنْ عِنْدِهِ عُلِمَ الكِتابُ » عند الله علم الكتاب .
وهذا خبر ليس له أصل عند الثقات من أصحاب الزهريّ .
فإذا كان ذلك كذلك وكانت قرّاء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق على القراءة الأخرى ، وهي : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الكِتابِ ، كان التأويل الذي على المعنى الذي عليه قرّاء الأمصار أولى بالصواب ممن خالفه ، إذ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أحقّ بالصواب .
{ ويقول الذين كفروا لست مُرسلاً } قيل المراد بهم رؤساء اليهود . { قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم } فإنه أظهر من الأدلة على رسالتي ما يغني عن شاهد يشهد عليها . { ومن عنده علم الكتاب } علم القرآن وما ألف عليه من النظم المعجز ، أو علم التوراة وهو ابن سلام وأضرابه ، أو علم اللوح المحفوظ وهو الله تعالى ، أي كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم ما في اللوح المحفوظ إلا هو شهيدا بيننا فيخزي الكاتب منا ، ويؤيده قراءة من قرأ { ومن عنده } بالكسر و{ علم الكتاب } وعلى الأول مرتفع بالظرف فإنه معتمد على الموصول ، ويجوز أن يكون مبتدأ والظرف خبره وهو متعين على الثاني . وقرئ { ومن عنده علم الكتاب } على الحرف والبناء للمفعول .
وقوله تعالى : { ويقول الذين كفروا } الآية ، المعنى : ويكذبك يا محمد هؤلاء الكفرة ويقولون : لست مرسلاً من الله وإنما أنت مدع ، قل لهم : { كفى بالله شهيداً } .
و { بالله } في موضع رفع ، التقدير : كفى الله . و «شهيد » بمعنى : شاهد ، وقوله : { ومن عنده علم الكتاب } قيل : يريد اليهود والنصارى الذين عندهم الكتب الناطقة برفض الأصنام وتوحيد الله تعالى ، وقال قتادة : يريد من آمن منهم كعبد الله بن سلام وتميم الداري وسلمان الفارسي ، الذين يشهدون بتصديق محمد ، وقال مجاهد : يريد عبد الله بن سلام خاصة ، قال هو : فيّ نزلت { ومن عنده علم الكتاب } .
قال القاضي أبو محمد : وهذا القولان الأخيران لا يستقيمان إلا أن تكون الآية مدنية ، والجمهور على أنها مكية - قاله سعيد بن جبير ، وقال : لا يصح أن تكون الآية في ابن سلام لكونها مكية وكان يقرأ : «ومِن عنده عُلم الكتاب »{[6989]} .
وقيل : يريد جنياً معروفاً ، حكاه النقاش ، وهو قول شاذ ضعيف . وقيل : يريد الله تعالى ، كأنه استشهد بالله تعالى ، ثم ذكره بهذه الألفاظ التي تتضمن صفة تعظيم . ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف ، وذلك لا يجوز وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض{[6990]} . ويحتمل أن تكون في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف{[6991]} تقديره : أعدل وأمضى قولاً ، ونحو هذا مما يدل عليه لفظ { شهيداً } ويراد بذلك الله تعالى .
وقرأ علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك والحكم وغيرهم «ومِن عندِه علم الكتاب » بكسر الميم من «من » وخفض الدال ، قال أبو الفتح : ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ علي بن أبي طالب أيضاً والحسن وابن السميفع «ومِن عنده عُلم الكتابُ » بكسر الميم من «من » وضم العين من «علم » على أنه مفعول لم يسم فاعله ، ورفع الكتاب ، وهذه القراءات يراد فيها الله تعالى ، لا يحتمل لفظها غير ذلك . والله المعين برحمته .