الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ} (43)

قوله تعالى : { وَمَنْ عِندَهُ } : العامَّة [ على فتح ميم ] " مَنْ " ، وهي موصولةٌ ، وفي محلِّها أوجهٌ ، أحدُها : أنها مجرورةُ المحلِّ نَسَقاً على لفظ الجلالةِ ، أي : بالله وبمَنْ عنده عِلْمُ الكتابِ كعبد الله بن سلام ونحوِه . والثاني : أنها في محلِّ رفعٍ عطفاً على محل [ الجلالة ، إذ هي ] فاعلةٌ ، والباءُ زائدةٌ فيها . الثالث : أن يكونَ مبتدأً ، وخبرُه محذوف ، أي : ومَنْ عنده عِلْم الكتاب أَعْدَلُ وأمضى قولاً .

و { عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } يجوز أن يكونَ الظرفُ صلةً ، و " عِلْمُ " فاعلٌ به . واختاره الزمخشري ، وتقدَّم تقريرُه ، وأن يكونَ مبتدأً وما قبله الخبرُ ، والجملةُ صلةٌ ل " مَنْ " .

والمراد بمَنْ عنده عِلْمُ الكتاب : إمَّا ابنُ سَلام أو جبريلُ أو اللهُ تعالى . قال ابن عطية : " ويُعْتَرض هذا القولُ بأنَّ فيه عطفَ الصفة على الموصوف ولا يجوز ، وإنما تُعْطَفُ الصفاتُُ " . واعترض الشيخُ عليه بأنَّ " مَنْ " لا يُوصَفُ بها ولا بغيرِها من الموصولات إلاَّ ما اسْتُثْني ، وبأنَّ عطفَ الصفاتِ بعضِها على بعض لا يجوز إلا بشرطِ الاختلاف .

قلت : ابن عطية إنما عَنَى الوصفَ المعنويَّ لا الصناعيَّ ، وأمَّا شرطُ الاختلافِ فمعلومٌ .

وقرأ عليٌّ وأُبَيٌّ وابنُ عباس وعكرمة وابن جبير وعبد الرحمن ابن أبي بكرة والضحاك وابن أبي إسحاق ومجاهد في خَلْق كثير { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } جعلوا " مِنْ " حرفَ جرّ ، و " عندِه " مجرورٌ بها ، وهذا الجارُّ هو خبرٌ مقدَّمٌ ، و " عِلْم " مبتدأ مؤخر . وقرأ عليٌّ أيضاً والحسن وابن السَّمَيْفع { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } يجعلون " مِنْ " جارَّةً ، و " عُلِمَ " مبنياً للمفعول ، و " الكتابُ " رفعٌ به . وقُرئ كذلك إلاَّ انه بتشديد " عُلِّم " . والضمير في " عنده " على هذه القراءاتِ لله تعالى فقط . وقُرئَ أيضاً " وبمَن " بإعادةِ الباءِ الداخلةِ على الجلالة .