قوله : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً } الآية لما حكى عن القوم أنهم أنكروا كونه رسولاً من عند الله احتج عليهم بأمرين :
الاول : شهادة الله تعالى على نبوته ، والمراد من تلك الشهادة تعالى أظهر المعجزات على صدقه في ادعاء الرسالة ، وهذا أعظم مراتب الشهادة لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظن ، وإظهار المعجزة فعل مخصوص يوجب القطع بكونه رسولاً من عند الله ، فكان إظهار المعجزة أعظم مراتب الشهادة .
والثاني : قوله { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } العامة على فتح ميم " مَنْ " وهي موصولة ، وفي محلها أوجه :
أحدها : أنها مجرورة المحل نسقاً على لفظ الجلالة ، أي : بالله وبمنْ عِندْهُ علمُ الكتابِ كعبد الله بن سلام ونحوه .
والثاني : أنها في محل رفع عطفاً على محل الجلالة ، إذ هي فاعلة ، والباء مزيدة فيها .
والثالث : أن يكون مبتدأ وخبره محذوف ، أي : ومن عنده علم الكتاب أعدل وأمضى قولاً ، و { عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } يجوز أن يكون الظرف صلة و " عِلْمُ " فاعل به ، واختاره الزمخشري وتقدم تقريره .
وأن يكون مبتدأ ، وما قبله الخبر ، والجملة صلة ل " مَنْ " .
والمراد بمن عنده علم الكتاب : ابن سلام ، أو جبريل عليه الصلاة والسلام .
قال ابن عطية : " ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف ولا يجوز وإنما يعطف الصفات " .
فاعترض أبو حيان عليه : بأن " مَنْ " لا يوصف بها ولا يغيرها من الموصولات إلا ما استثني ، وبأن عطف الصفات بعضها على بعض لا يجوز إلا بشرط الاختلاف .
قال شهاب الدين : نما عنى ابن عطية الوصف المعنوي لا الصناعي ، أما شرط الاختلاف فمعلوم .
وقرأ أبيّ وعلي وابن عباس وعكرمة وعبدالرحمن بن أبي بكرة والضحاك وابن أبي إسحاق ومجاهد رضوان الله عليهم في خلق كثير { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } جعلوا " من " حرف جر ، و " عنده " مجرور بها ، وهذا الجار خبر مقدم ، و " عِلْمُ " مبتدأ مؤخر ، و " منْط لابتداء الغاية أي : ومن عند الله حصل علم الكتاب .
وقرأ علي أيضاً والحسن وابن السميفع { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } يجعلون " من " جارة ، و " عُلِمَ " مبنياً للمعفول و " الكِتابُ " رفع بهن ، وقرىء كذلك ؛ إلا أنه بتشديد " عُلِّمِ " والضمير في " عِنْده " على هذه القراءات لله تعالى فقط .
وقرىء أيضاً : " وبِمَن " بأعادة الباء الداخلة على " مَنْ " عطفاتً على [ " باللهِ " ] .
على هذه القراءة الأولى المراد : شهادة مؤمني أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري . وقال أبو البشر : قلت لسعيد بن جبير : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } أهو عبد الله بن سلام ؟ ، فقال : وكيف يكون عبدالله بن سلام وهذه السورة مكية ، وهو ممن آمنوا بالمدينة بعد الهجرة ؟ .
وأجيب : بأن هذه السورة وإن كانت مكية إلا إن هذه الآية مدنية .
ويعترض هذا أيضاً : بأن إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين مع كونهما غير معصومين لا يجوز .
وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والزجاج { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } هو الله سبحانه وتعالى .
وقال الأصم : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } أي : ومن عنده علم القرآن .
والمعنى : أن الكتاب الذي جئتكم به معجز قاهر ، إلا أنه لا يحصل العلم بكونه معجزاً إلا لمن علم ما فيه من الفصاحة والبلاغة واشتماله على الغيوب وعلى العلوم الكثيرة فمن عرف هذا الكتاب من هذا الوجه دل على كونه معجزاً .
وقيل : { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب } أي : الذي حصل عنده علم التوارة والإنجيل يعني كل من كان عالماً بهذين الكتابين علم اشتمالهما على البشارة بمقدم محمد صلوات الله وسلامه عليه فإذا انصف ذلك العالم ولم يكذبه كان ذلك شاهداً على أن محمداً رسول حق من عند الله صلوات الله وسلامه عليه .
وأما معنى القراءة الثانية : أي : أن أحداً لا يعلم الكتاب إلا من فضل وإحسانه وتعليمه ، والمراد العلم الذي هو ضد الجهل .
وأما القراءة على مالم يسم فاعله ، فالمعنى : أنه تعالى لما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بشهادة الله على نبوته ، وكان لا معنى لشهادة الله على نبوته إلا إظهار القرآن على وفق دعواه ، ولا يعلم كون القرآن معجزاً إلا بعد الإحاطة بمعاني القرآن وأسراره ، بين الله تعالى أن هذا العلم لا يحصل إلا من عند الله ، والمعنى : أن الوقوف على كون القرآن معجزاً لا يحصل إلا لمن شرفه الله من عباده بأن يعلمه علم القرآن .
روى ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.