نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسۡتَ مُرۡسَلٗاۚ قُلۡ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ وَمَنۡ عِندَهُۥ عِلۡمُ ٱلۡكِتَٰبِ} (43)

ولما تقدم قوله تعالى : { ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية } عطف عليه - بعد شرح ما استتبعه - قوله : { ويقول الذين كفروا } أي أوجدوا الكفر ولو على أدنى الرتب ، قولاً على سبيل التكرار : { لست مرسلاً } لكونك لا تأتي بمقترحاتهم مع أنه لم يقل يوماً : إنه قادر عليها ، فكأنه قيل : فما أقول لهم ؟ فقال{[44463]} : { قل كفى } والكفاية : وجود الشيء على مقدار الحاجة ؛ ومعنى الباء في { بالله } أي الذي له الإحاطة الكاملة - التأكيد ، لأن الفعل لما جاز أن يضاف إلى غير فاعله إذا أمر به أزيل هذا الاحتمال من وجهين : جهة الفاعل وجهة صرف الإضافة { شهيداً } أي بليغ العلم في شهادته بالاطلاع على ما ظهر وما بطن { بيني وبينكم } يشهد بتأييد رسالتي وتصحيح مقالتي بما أظهر لي من الآية وأوضح من الدلالة بهذا الكتاب ، ويشهد بتكذيبكم بادعائكم القدرة على المعارضة وترككم لها عجزاً ، وهذا على مراتب الشهادة ، لأن الشهادة قول يفيد غلبة الظن بأن الأمر كما شهد به ، والمعجزة فعل مخصوص يوجب{[44464]} القطع بأن ما جاءت لأجله كما هو { ومن عنده علم الكتاب } مما أنزله{[44465]} فيه من الأصول والفروع والخبر عما كان و{[44466]} يكون على نحو{[44467]} من الأساليب ونمط من المناهيج أخرس الفصحاء ، وأبكم البلغاء ، وأبهت الحكماء ، وهو الله تعالى ، تأييداً وتحقيقاً لدعواي ، ويؤيد أن المراد به " الله " قراءة { من } على أنها جارة{[44468]} ، وفي سوقه هكذا على طريق الإبهام من ترويع{[44469]} النفس بهزّها إلى تطلب المتصف بهذا الوصف ما ليس في التعيين ، فهو إذن كدعوى الشيء{[44470]} مقروناً بدليله ، فقد انطبق هذا الآخر على أول السورة في أن المنزل حق من عنده وأنهم لا يؤمنون - والله الموفق .


[44463]:سقط من ظ.
[44464]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: توجب.
[44465]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: أنزل.
[44466]:زيد بعده في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[44467]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: محو.
[44468]:راجع للتفصيل روح المعاني 4/203.
[44469]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: ترويح.
[44470]:زيد ما بين الحاجزين من م ومد.