{ يوم يقوم الروح } أي : في ذلك اليوم ، { والملائكة صفاً } واختلفوا في هذا الروح ، قال الشعبي والضحاك : هو جبريل . وقال عطاء عن ابن عباس : { الروح } ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقاً أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفاً وقامت الملائكة كلهم صفاً واحداً ، فيكون عظم خلقه مثلهم . وعن ابن مسعود قال : الروح ملك أعظم من السماوات ومن الجبال ، ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة ، يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا يجيء يوم القيامة صفاً وحده . وقال مجاهد ، وقتادة ، وأبو صالح : { الروح } خلق على صورة بني آدم ليسوا بناس يقومون صفاً والملائكة صفاً ، هؤلاء جند وهؤلاء جند . وروى مجاهد عن ابن عباس قال : هم خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم . وقال الحسن : هم بنو آدم . ورواه قتادة عن ابن عباس ، وقال : هذا مما كان يكتمه ابن عباس . { والملائكة صفاً } قال الشعبي : هما سماطا رب العالمين ، يوم يقوم سماط من الروح وسماط من الملائكة . { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً } في الدنيا ، أي حقاً . وقيل : قال : لا إله إلا الله .
فلا يتكلم أحد إلا بهذين الشرطين : أن يأذن الله له في الكلام ، وأن يكون ما تكلم به صوابا ، لأن { ذَلِكَ الْيَوْمُ } هو { الْحَقُّ } الذي لا يروج فيه الباطل ، ولا ينفع فيه الكذب ، وفي ذلك اليوم { يَقُومُ الرُّوحُ } وهو جبريل عليه السلام ، الذي هو أشرف الملائكة{[1345]} { وَالْمَلَائِكَةِ } [ أيضا يقوم الجميع ]
{ صَفًّا } خاضعين لله { لَا يَتَكَلَّمُونَ } إلا بما أذن لهم الله به{[1346]} .
والظرف فى قوله - تعالى - : { يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً . . . } متعلق بقوله - تعالى - قبل ذلك : { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } . . والمراد بالروح : جبريل - عليه السلام - . أى : لا يملك أحد أن يخاطب الله - تعالى - إلا بإذنه ، يوم القيامة ، ويوم يقوم جبريل - عليه السلام - بين يدى خالقه قيام تذلل وخضوع ، ويقوم الملائكة - أيضا - قياما كله أدب وخشوع ، وهم فى صفوف منتظمة .
{ لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } أى : لا يستطيع جبريل ولا الملائكة ولا غيرهم الكلام { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن } منهم بالكلام أو بالشفاعة .
{ وَقَالَ صَوَابا } أى : وقال المأذون له فى الكلام قولا صوابا يرضى الخالق - عز وجل - .
وكون المراد بالروح : جبريل - عليه السلام - هو الرأى الراجح ، لأن القرآن الكريم قد وصفه بذلك فى آيات منها قوله - تعالى - : { نَزَلَ بِهِ الروح الأمين . على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين } وهناك أقوال أخرى فى المراد به ، منها : أنه ملك من الملائكة ، ومنها : أرواح بنى آدم .
وجملة " لا يتكلمون " مؤكدة لجملة { لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } والضمير لجميع الخلائق .
وقد أفادت الآية الكريمة أن الذين يتكلمون فى هذا اليوم الهائل الشديد ، هم الذين يأذن الله - تعالى - لهم بالكلام ، وهم الذين يقولون قولا صوابا يرضى الله - تعالى - عنه .
وجملة : " وقال صوابا " يجوز أن تكون فى موضع الحال من الاسم الموصول " من " أى : لا يستطيع أحد منهم الكلام إلا الشخص الذى قد أذن الله - تعالى - له فى الكلام ، والحال أن هذا المأذون له قد قال صوابا .
ويصح أن تكون معطوفة على جملة { أَذِنَ لَهُ الرحمن } أى : لا يستطيعون الكلام إلا الذين أذن لهم الرحمن فى الكلام ، وإلا الذين قالوا قولا صوابا يرضى الله ، فإنهم يتكلمون .
والمقصود من الآية الكريمة ، بيان أن الخلائق جميعا يكونون فى هذا اليوم ، فى قبضة الرحمن وتحت تصرفه ، وأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بإذنه - تعالى - .
اختلف الناس في { الروح } المذكورة في هذا الموضع ، فقال الشعبي والضحاك : هو جبريل عليه السلام ذكره خاصة من بين الملائكة تشريفاً ، وقال ابن مسعود : هو ملك كريم أكبر الملائكة خلقة يسمى ب { الروح } ، وقال ابن زيد : كان أبي يقول هو القرآن ، وقد قال الله تعالى : { أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى : 52 ] أي من أمرنا{[11593]} .
قال القاضي أبو محمد : فالقيام فيه مستعار يراد ظهوره مثول آثاره ، والأشياء الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه ومع هذا ففي القول قلق ، وقال مجاهد : { الروح } خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : «الروح خلق غير الملائكة لهم حفظة للملائكة كما الملائكة حفظة لنا » ، وقال ابن عباس والحسن وقتادة : { الروح } هنا اسم جنس : يراد به أرواح بني آدم والمعنى يوم تقوم الروح في أجسادها إثر البعث والنشأة الآخرة ، ويكون الجميع من الإنس والملائكة { صفاً }{[11594]} ولا يتكلم أحد هيبة وفزعاً { إلا من أذن له الرحمن } من ملك أو نبي وكان أهلاً أن يقول { صواباً } في ذلك الموطن ، وقال ابن عباس : الضمير في { يتكلمون } عائد على الناس خاصة و «الصواب » المشار إليه لا إله إلا الله ، قال عكرمة أي قالها في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.