الآية 38 : وقوله تعالى : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا } اختلف في الروح ؛ فمنهم من قال : هو جبريل عليه السلام ، ومنهم من صرفه إلى أرواح المسلمين ، ومنهم من ذكر أنهم الحفظة على الملائكة ، يرون الملائكة ، ولا يراهم الناس .
وجائز أن يكون الروح الكتب المنزلة من السماء كما قال : { ينزل الملائكة بالروح من أمره }[ النحل : 2 ] فتكون الكتب مخاصمة مع من ضيع حقها ، أو نبذها وراء ظهره ، وشافعا لمن أدى حقها ، وعمل بما فيها .
ومنهم من ذكر أن هذا من المكتوم الذي لا يفسر ؛ قال الله تعالى : { ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي }[ الإسراء : 85 ] .
وقوله تعالى : { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } جائز أن يكون هذا منصرفا إلى الشافع أي الشافع لا يقول في ما يشفع غير الصواب ، وما حل به من الرهبة والخوف من هيبة الله تعالى لا يزيله عن التكلم بالحق بل الله تعالى يثبته على الحق ، ويجري على لسانه الصواب .
قال بعضهم : { معناه : لا يشفع إلا من قال في الدنيا صوابا ، وهو الحق ، وقيل : معناه : أنه لا ينال من الشفاعة حظا إلا من قال في الدنيا الصواب ؛ والصواب أن يكون مقيما في ما دان به من التوحيد .
وذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه مرّ بمجنونة ، وهي تدعو ، فتقول : اللهم اجعلني من أهل شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فقال لها : قولي : اللهم اجعلني من رفقاء محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة ، فإن شفاعته لأهل الكبائر من أمته .
قال رضي الله عنه : وبهذا الفضل يعارضنا المعتزلة ، فنقول : إذا قلتم : اللهم اجعل لنا من شفاعة محمد نصيبا فقد قلتم : اللهم اجعلنا ممن يرتكب الكبائر ؛ إذ شفاعته في زعمكم لأهل الكبائر .
فالجواب عن هذا أن الذي ابتلي بارتكاب الكبائر دون الشرك إنما ينال بما سبق منه من الخيرات من التوحيد وتعظيمه ربه عز وجل فمحاسنه التي سبقت منه ، هي التي تجعله محلا للشفاعة ، ولولاها ما نالها .
فإذا قال : اللهم اجعل لي من شفاعة نبيك نصيبا ، فهو يقول : اللهم وفقني على فعل الخيرات ، واجعلني ممن يعظمك ، ويتقرب إليك بالطاعة ، حتى أنال بها الشفاعة ، لا أن يقصد بدعائه جعله من أهل الكبائر .
والذي يدل على صحة ما ذكرنا قوله تعالى : { فلولا أنه كان من المسبحين }{ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون }[ الصافات : 143و144 ] فأخبر الله تعالى أن تسبيحه أنقذه{[23041]} من بطن الحوت ، ولو لم يكن مسبحا لم يستوجب الخلاص . وكذلك صاحب الكبيرة يستوجب الشفاعة ، ويرجى له الخلاص بما سبق منه من الحسنات دون أن يستوجبها لارتكاب الكبيرة .
ثم من قول المعتزلة أنهم يرون الصغائر مغفورة لأربابها إذا اجتنبوا الكبائر ، فيقال لهم : {[23042]} : إن من دعا الله تعالى ، وسأله المغفرة ، فكأنه يدعو ، فيقول : اللهم ابتلني بالصغائر حتى تغفرها لي .
فإن قلتم : إن دعاءه بالمغفرة لا يقتضي ما عارضناكم به ، فقولوا كذلك في من يقول : اللهم اجعل لي من شفاعة محمد نصيبا ، فإنه لا يقتضي أن يجعل من أهل الكبائر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.