اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا} (38)

قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ الروح } . منصوب على الظرف ، إمَّا ب «لا يَتكلَّمُونَ » بعده ، وإمَّا ب «لا يَمْلِكُونَ » و«صفًّاً » حال : أي : مُصطفِّيْنَ ، و«لاَ يَتَكلَّمُونَ » إمَّا حال أو مستأنف .

فصل في المراد بالروح

اختلفوا في الروح .

فقال ابن عباس : هو ملك ما خلق الله بعد العرش أعظم منه ، فإذا كان يوم القيامة قام وحده صفًّا ، وقام الملائكة كلهم صفًّا{[59184]} ، ونحوه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الرُّوح ملك أعظم من السموات السبع والأرضين السبع والجبال{[59185]} .

وقيل : جبريل - عليه الصلاة والسلام - قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير{[59186]} .

وروى عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الرُّوحُ في هَذِهِ الآيةِ جُنْدٌ مِنْ جُنُودِ اللهِ لَيْسُوا مَلائِكةً لَهُمْ رُءوسٌ وأيْدٍ وأرْجُلٌ يَأكُلونَ الطَّعام ، ثُمَّ قَرَأَ : { يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً }{[59187]} ، وهذا قول أبي صالح ، ومجاهد ، وعلي - رضي الله عنهم - وعلى هذا هو خلقٌ على صورة بني آدم كالناس ، وليسوا بناس ، وما ينزل من السماء ملك إلاَّ ومعه واحد منهم ، نقله البغوي{[59188]} .

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - «هُمْ أرْواحُ النَّاسِ »{[59189]} .

وقال مقاتل بن حيان : هُمْ أشراف الملائكة{[59190]} .

وقال ابن أبي نجيحٍ : هم حفظة على الملائكة{[59191]} .

وقال الحسن وقتادة : هم بنو آدم{[59192]} ، والمعنى : ذو الروح .

وقال العوفي ، والقرظي : هذا ممَّا كان يكتمه ابن عباس .

وقيل : أرواح بني آدم تقومُ صفًّا ، فتقومُ الملائكةُ صفًّا ، وذلك بين النَّفختين قبل أن تردُّ إلى الأجسادِ . قاله عطية .

وقال زيد بن أسلم : هو القرآن .

وقرأ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] ، و{ صَفّاً } مصدر ؛ أي : يقومون صفوفاً ، والمصدر يغني عن الواحد والجمع كالعدل ، والصوم ، ويقال ليوم العيد : يوم الصف .

وقال في موضع آخر سبحانه : { وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] ، وهذا يدل على الصفوف ، وهذا حين العرض والحساب ، قيل : هما صفان .

وقيل : يقوم الكلُّ صفًّا واحداً ، «لا يتَكلَّمُونَ » أي : لا يشفعون .

قوله : { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ } يجوز أن يكون بدلاً من «واو » يتكلَّمون ، وهو الأرجح ، لكونه غير موجب ، وأن يكون منصوباً على أصل الاستثناء .

والمعنى : لا يشفعون إلاَّ من أذن لهُ الرحمن في الشفاعة .

وقيل : لا يتكلمون إلا في حقِّ من أذنَ له الرحمنُ ، وقال صواباً .

والمعنى : لا يشفعون إلاَّ في حقِّ شخصٍ أذن الرحمن في شفاعته ، وذاك الشخص كان ممن قال صواباً ، والمعنى قال صواباً ، يعنى : «حقًّا » . قاله الضحاك ومجاهد .

وروى الضحاكُ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لا يشفعون إلاَّ لمن قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وأصل الصَّواب : السداد من القول والفعل ، وهو من أصاب يصيب إصابة ، كالجواب من أجاب يجيبُ .

وقيل : «لا يتكلَّمون » يعني : الملائكة ، والروح الذين كانوا صفًّا لا يتكلمون هيبة وإجلالاً إلا من أذن له الرب تعالى في الشفاعة ، وهم الذين قالوا صواباً ، وأنهم يوحدون الله - تعالى - ويسبِّحونه .


[59184]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/415)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/506)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والبيهقي في "الأسماء والصفات".
[59185]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/415).
[59186]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/415)، عن الضحاك والشعبي. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/506)، عن الضحاك وعزاه إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.
[59187]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/505)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ في "العظمة" وابن مردويه.
[59188]:ينظر معالم التنزيل 4/440.
[59189]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/416).
[59190]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/506)، وعزاه ابن المنذر وأبي الشيخ.
[59191]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/122).
[59192]:ينظر المصدر السابق.