فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا} (38)

{ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمان لا يملكون منه خطابا ( 37 ) يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان وقال صوابا ( 38 ) ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ( 39 ) إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت ويقول الكافر يا يليتني كنت ترابا ( 40 ) } .

وبعد أن حذرت الآيات من مآل الباغين الطاغين . وبشرت بنعيم الصالحين المصلحين بينت هذه الآيات المحكمات أهوال يوم الدين ، وتجلى القهار القوي المتين ، ليعذر إلى الخلق أجمعين ، فمن شاء استقام على نهج يبلغ به مرضاة رب العالمين ، ومن أبى وكذب بالحق فهو من الخاسرين النادمين ؛ ولا يؤذن للظالمين في الاعتذار بين يدي الرحمان القهار ؛ حتى جبريل مقدم أهل السماء والملائكة يصطفون ساكتين إلى أن يأذن الله لهم في الكلام .

مما يقول الألوسي : { رب } . . يبدل من لفظ { ربك } . . . وقوله تعالى : { الرحمن } صفة ل { ربك } . . . والقراءة كذلك مروية عن عبد الله وابن أبي إسحاق والأعمش وابن محيصن وابن عامر وعاصم . . . وضمير { لا يملكون } لأهل السماوات والأرض ؛ و{ منه } بيان ل { خطابا } مقدم عليه ، أي لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم . . اه . مما نقل الطبري عن الضحاك والشعبي : { الروح } جبريل عليه السلام . . اه{[8923]} .

هذا يوم آت لا شك فيه ، فالعاقل السعيد من آمن وعمل الصالحات ليفوز بالنعيم والكرامات ؛ والله يحذر من عذاب ليس ببعيد ، فكل ما هو آت قريب ؛ يحل بالأشقياء حين يواجه المفسد إفساده ، ويترك المعاند عناده ، إذ وضع كتابه ، وأفلس حسابه ، وشد وثاقه ، وعندئذ يتمنى لو كان أهون المخلوقات ، لسوء ما يلاقي من الألم والنكال والهول والكربات .

فليتيقن اللبيب بالبعث والحساب ، والنعيم والعذاب ، ولنملأ حياتنا بتحقيق مطالب الدين في السعي لخيرنا وخير الناس أجمعين ، عسى أن ينجينا ربنا من النار ، ويدخلنا الجنة مع الأبرار .


[8923]:- كما نقل بسنده عن أبي كريب.. عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال: {يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله كونوا ترابا فعند ذلك يقول الكافر {يا ليتني كنت ترابا}.اهـ. ومعنى: يقيد الجماء من القرناء: يقتص للبهيمة التي لا قرون لها من الأخرى التي نطحتها بقرونها.