إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا} (38)

ثُمَّ قرأَ { يومَ يقومُ الروحُ }{[814]} الآيةَ . وهذَا قولُ أبي صالحٍ ومجاهدٍ قالُوا ما ينزلُ من السماءِ ملكٌ إلا ومعه واحدٌ منُهم نقلَهُ البغويُّ . وقيل : هم أشرافُ الملائكةُ وقيلَ : هم حفظةٌ على الملائكةِ وقيلَ : جبريلُ عليهِ السَّلامُ . وصفَّا حالٌ أي مصطفينَ قيلَ : هما صفَّانِ الروحُ صفٌّ واحدٌ أو متعددٌ والملائكةُ صفٌّ وقيلَ : صفوفٌ وهو الأوفقُ لقولِه تعالى :

{ والملك صَفّاً صَفّاً } [ سورة الفجر ، الآية 22 ] وقيلَ : يقومُ الكُلُّ صفّاً وَاحِداً . ويومَ ظرفٌ لقولِه تعالى : { لا يَتَكَلَّمُونَ } . وقولِه تعالى : { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } بدلٌ من ضميرِ لا يتكلمونَ ، العائدِ إلى أهلِ السماوات والأرضِ الذينَ من جُملتهم الروحُ والملائكةُ . وذكرُ قيامِهم واصطفافِهم لتحقيق عظمةِ سلطانِه وكبرياءِ ربوبيتِه وتهويلِ يومِ البعثِ الذي عليهِ مدارُ الكلامِ من مطلعِ السورةِ الكريمةِ إلى مقطعِها . والجملةُ استئنافٌ مقررٌ لمضمونِ قولِه تعالى لا يملكونَ الخ ومؤكدٌ على مَعْنى أنَّ أهلَ السماوات والأرضِ إذَا لم يقدرُوا يومئذٍ على أنْ يتكلمُوا بشيءٍ من جنسِ الكلامِ إلاَّ مَنْ أذنَ الله تعالى له منُهم في التكلمِ وقال ذلكَ المأذونُ له قولاً صواباً أي حقّاً فكيفَ يملكون خطابَ ربِّ العزةِ مع كونه أخصَّ من مطلق الكلامُ وأعزَّ منه مراماً لا على معنى أنَّ الروحَ والملائكةَ مع كونِهم أفضلَ الخلائقِ وأقربَهم من الله تعالى إذَا لم يقدرُوا أنْ يتكلمُوا بما هُو صوابٌ من الشفاعة لمن ارتضَى إلا بإذنه فكيفَ يملكُه غيرُهم كما قيلَ فإنَّه مؤسسٌ على قاعدة الاعتزالِ فمن سلكَهُ مع تجويزه أنْ يكونَ يومَ ظرفاً للايملكونَ فقد اشتبَه عليهِ الشؤونُ واختلطَ به الظنونُ وقيلَ : إلا من أذنَ الخ منصوبٌ على أصلِ الاستثناءِ والمَعْنى لا يتكلمونَ إلا في حقِّ شخصٍ أذنَ له الرحمنُ وقالَ ذلكَ الشخصُ صواباً أي حقَّاً هُو التوحيدُ وإظهارُ الرحمنِ في موضعِ الإضمارِ للإيذانِ بأنَّ مناطَ الإذنِ هو الرحمةُ البالغةُ لا أنَّ أحداً يستحقُّه عليهِ سبحانَه وتعالَى .


[814]:الروح جند من جنود الله أخرجه بلفظ "الأرواح جنود مجندة" البخاري في كتاب الأنبياء باب (3) ومسلم في كتاب البر حديث رقم (159، 160) وأبو داود في كتاب الأدب باب (16) وأحمد في (3/295، 527، 537).