معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } قرأ أبو جعفر { ما كذب } بتشديد الذال ، أي : ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بعينه تلك الليلة ، بل صدقه وحققه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه ، يقال : كذبه إذا قاله له : الكذب ، وصدقه إذا قال له : الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى ، واختلفوا في الذي رآه ، فقال قوم : رأى جبريل ، وهو قول ابن مسعود وعائشة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص هو ابن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال :{ ما كذب الفؤاد ما رأى } قال : رأى جبريل وله ستمائة جناح . وقال آخرون : هو الله عز وجل . ثم اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده ، وهو قول ابن عباس .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس :{ ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى } قال : رآه بفؤاده مرتين . وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية . وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن عامر عن مسروق قال : قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قف له شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ؟ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }( الأنعام-103 ) ، { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب }( الشورى-51 ) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } ( لقمان-34 ) ومن حدثك أنه كتم شيئاً فقد كذب ، ثم قرأت : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }( المائدة-67 ) الآية ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله : { مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى } رد على المشركين ، وتكذيب لهم ، فيما زعموه من أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يتلق الوحى عن جبريل ، ولم يشاهده .

واللام فى قوله { الفؤاد } عوض عن المضاف إليه ، والفؤاد : العقل أو القلب ، ومنه قوله - تعالى - :

{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِه . . } وقراءة الجمهور { كَذَبَ } بفتح الذال مع التخفيف ، وقرأ ابن عامر بفتحها مع التشديد ، و " ما " موصولة ، والعائد محذوف .

أى : ما كذب فؤاد النبى - صلى الله عليه وسلم - وما أنكر ، الذى رآه ببصره من صورة جبرير - عليه السلام - لأنه لم يكن يجهله ، بل كان معروفا لديه ، وصاحب الوحى إليه ، فهو - صلى الله عليه وسلم - ما رآه ببصره من صورة جبريل - عليه السلام - .

أى : ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك - لعى سبيل الفرض - لكان كاذبا لأنه عرفه ، يعنى أنه رآه بعينه ، وعرفه بقلبه ، ولم يشك فى أن ما رآه حق .

وقرىء : { مَا كَذَّبَ } - بالتشديد - ، أى : صدقه ولم يشك أنه جبريل بصورته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وقوله : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } قال مسلم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكيع ، حدثنا الأعمش ، عن زياد بن حُصَين ، عن أبي العالية ، عن ابن عباس : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، { وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى } قال : رآه بفؤاده مرتين{[27588]} .

وكذا رواه سِمَاك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثله . وكذا قال أبو صالح والسّدي وغيرهما : إنه رآه بفؤاده مرتين [ أو مرة ] {[27589]} ، وقد خالفه ابن مسعود وغيره {[27590]} ، وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية ، وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد . ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ، فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة ، رضي الله عنهم ، وقولُ البغوي في تفسيره : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسنُ وعكرمة . فيه نظر ، والله أعلم {[27591]} .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن عمرو بن نَبْهان {[27592]} بن صفوان ، حدثنا يحيى بن كثير العنبري ، عن سَلْم بن جعفر ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : رأى محمد ربه . قلت : أليس الله يقول : { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ } [ الأنعام : 103 ] قال : ويحك ! ذاك إذا تَجَلى بنوره الذي هو نُورُه ، وقد رأى ربه مرتين .

ثم قال : حسن غريب{[27593]} .

وقال أيضا : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : لقي ابن عباس كعبًا بعرفة ، فسأله عن شيء فكَبَّر حتى جاوبته الجبال ، فقال ابن عباس : إنا بنو هاشم فقال كعب : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى ، فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين . وقال مسروق : دخلتُ على عائشة فقلت : هل رأى محمد ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قَفَّ له شعري . فقلت : رُوَيدًا ، ثم قرأتُ : { لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }

فقالت : أين يُذهَبُ بك ؟ إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمرَ به ، أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ } [ لقمان : 34 ] ، فقد أعظم الفرية {[27594]} ، ولكنه رأى جبريل ، لم يره في صورته إلا مرتين ، مرة عند سدرة المنتهى ومرة في جياد{[27595]} ، وله ستمائة جناح قد سد الأفق{[27596]} .

وقال النسائي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتعجبون أن تكون الحُلَّة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد ، عليهم السلام ؟ !{[27597]} .

وفي صحيح مسلم ، عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هل رأيتَ ربك ؟ فقال : " نورٌ أنّى أراه " . وفي رواية : " رأيت نورا " {[27598]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد ، عن موسى بن عُبيدةَ ، عن محمد بن كعب قال : قالوا : يا رسول الله ، رأيت{[27599]} ربك ؟ قال : " رأيته بفؤادي مرتين " ثم قرأ : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } .

ورواه ابنُ جرير ، عن ابن حُمَيد ، عن مِهْرَان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلنا : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " لم أره بعيني ، ورأيته بفؤادي مرتين " ثم تلا { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى } {[27600]} .

ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرني عَبَّاد بن منصور قال : سألت عكرمة : { مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فقال عكرمة : تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت : نعم . قال : قد رآه ، ثم قد رآه . قال : فسألت عنه الحسن فقال : رأى جلاله وعَظَمته ورِداءَه .

وحدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مجاهد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، أخبرنا أبو خلدة ، عن أبي العالية قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : " رأيت نهرا ، ورأيت وراء النهر حجابا ، ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير " {[27601]} .

وذلك غريب جدا ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد :

حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي عز وجل " {[27602]} .

فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ، لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد أيضا :

حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أبي قِلابة عن ابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني ربي الليلة في أحسن صورة - أحسبه يعني في النوم - فقال : يا محمد ، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : لا . فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بَرْدَها بين ثدييّ - أو قال : نَحْرِي - فعلمت ما في السموات وما في الأرض ، ثم قال : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ " قال : " قلت : نعم ، يختصمون في الكفارات والدرجات " . قال : " وما الكفارات والدرجات ؟ " قال : " قلت : المكث في المساجد بعد الصلوات ، والمشي على الأقدام إلى الجُمُعات{[27603]} ، وإبلاغ الوضوء في المكاره ، من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه . وقال : قل يا محمد إذا صليت : اللهم ، إني أسألك الخيرات {[27604]} وترك المنكرات ، وحبّ المساكين ، وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون " . قال : " والدرجات بَذْلُ الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام " {[27605]} .

وقد تقدم في آخر سورة " ص " ، عن معاذ نحوه {[27606]} . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس ، وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال :

حدثني أحمد بن عيسى التميمي ، حدثني سليمان بن عُمَر بن سَيَّار ، حدثني أبي ، عن سعيد بن زَرْبِي ، عن عمر بن سليمان {[27607]} ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد ، هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا يا رب . فوضع يده بين كتفي فوجدت بَرْدَها بين ثدييّ ، فعلمت ما في السموات والأرض ، فقلت : يا رب ، في الدرجات والكفارات ، ونقل الأقدام إلى الجُمُعات{[27608]} ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة . فقلت : يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا وكلمتَ موسى تكليما ، وفعلت وفعلت ، فقال : ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وِزْرَك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال : " فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها " قال : " فذاك قوله في كتابه : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى . مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } ، فجعل نور بصري في فؤادي ، فنظرت إليه بفؤادي " . إسناده ضعيف{[27609]} .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَبَّار بن الأسود ، رضي الله عنه ؛ أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة : اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى . فبلغ قوله رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " سَلَّطَ الله عليه كلبا من كلابه " . قال هبار : فكنت معهم ، فنزلنا بأرض كثيرة الأسد ، قال : فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحدا واحدا ، حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم{[27610]} .

وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة : أن ذلك كان بأرض الزرقاء ، وقيل : بالسراة ، وأنه خاف ليلتئذ ، وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ، فجاء الأسد فجعل يزأر ، ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه ، لعنه الله .


[27588]:- (5) صحيح مسلم برقم (176).
[27589]:- (6) زيادة من م.
[27590]:- (7) في م: "ابن عمرو عنه".
[27591]:- (8) انظر تفسير البغوي (7/403).
[27592]:- (9) في م: "منهال".
[27593]:- (1) سنن الترمذي برقم (3279).
[27594]:- (2) في م: "أعظم على الله الفرية".
[27595]:- (3) في م: "أجنادين".
[27596]:- (4) سنن الترمذي برقم (3278).
[27597]:- (5) النسائي في السنن الكبرى برقم (11539).
[27598]:- (6) صحيح مسلم برقم (178).
[27599]:- (7) في أ: "هل رأيت".
[27600]:- (8) تفسير الطبري (27/27).
[27601]:- (1) ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور (7/648) وهو مرسل.
[27602]:- (2) المسند (1/285).
[27603]:- (3) في هـ، أ: "الجماعات".
[27604]:- (4) في م: "إني أسألك فعل الخيرات".
[27605]:- (5) المسند (1/368).
[27606]:- (6) انظر تفسير الآية: 69 من سورة "ص".
[27607]:- (7) في أ: "سليم".
[27608]:- (1) في أ: "الجماعات".
[27609]:- (2) تفسير الطبري (27/28).
[27610]:- (3) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (27/63) ولم يقع لي في ترجمته فيما بين يدي من مخطوطات تاريخ دمشق.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

الأظهر أن هذا ردّ لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الملَك جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد : { أفتمارونه على ما يرى } .

واللام في قوله : { الفؤاد } عوض عن المضاف إليه ، أي فؤاده وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } استفهاماً إنكارياً لأنهم مَارَوْه .

ويجوز أن يكون قوله : { ما كذب الفؤاد ما رأى } تأكيداً لمضمون قوله : { فكان قاب قوسين } [ النجم : 9 ] فإنه يؤذن بأنه بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم لرفع احتمال المجاز في تشبيه القرب ، أي هو قرب حسي وليس مجرد اتصال رُوحاني فيكون الاستفهام في قوله : { أفتمارونه على ما يرى } مستعملاً في الفرض والتقدير ، أي أفستكذبونه فيما يرى بعينيه كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله ، كما يقول قائل : « أتحسبني غافلاً » وقول عمر بن الخطاب للعباس وعليّ في قضيتهما « أتحاولان مني قضاءً غير ذلك » .

وقرأ الجمهور { ما كذب } بتخفيف الذال ، وقرأه هشام عن ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الذال ، والفاعل والمفعول على حالهما كما في قراءة الجمهور .

والفؤاد : العقل في كلام العرب قال تعالى : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } [ القصص : 10 ] .

والكذب : أطلق على التخييل والتلبيس من الحواس كما يقال : كذبته عينه .

و { ما } موصولة ، والرابط محذوف ، وهو ضمير عائد إلى { عبده } في قوله : { فأوحى إلى عبده } [ النجم : 10 ] أي ما رآه عبده ببصره .