معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

قوله تعالى : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله } . عبيداً وملكاً .

قوله تعالى : { وإنا إليه راجعون } . في الآخرة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا محاضر ابن الموزع ، أخبرنا سعيد ، عن عمر بن كثير ، أنا أفلح ، أخبرنا مولى أم سلمة ، عن سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها " إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها .

قالت أم سلمة : لما توفي أبو سلمة عزم الله لي فقلت : اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها . فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقال سعيد بن جبير : ما أعطي أحد في المصيبة ما أعطي هذه الأمة يعني الاسترجاع ، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام . ألا تسمع إلى قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام ( يا أسفى على يوسف ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

ثم وصفهم بقوله : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره .

{ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ } أي : مملوكون لله ، مدبرون تحت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتلانا بشيء منها ، فقد تصرف أرحم الراحمين ، بمماليكه وأموالهم ، فلا اعتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد ، علمه ، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم ، الذي أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك ، الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعر بذلك ، ومع أننا مملوكون لله ، فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، فمجاز كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جزعنا وسخطنا ، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجع إليه ، من أقوى أسباب الصبر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

ثم بعد أن بين - سبحانه - مواطن تضطرب فيها النفوس أردف ذلك بذكر عاقبة الصبر ، وجزائه الأسنى ، فقال : { وَبَشِّرِ الصابرين . الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } .

الخطاب في قوله : { وَبَشِّرِ } للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من تتأتى منه البشارة .

والجملة عطف على { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } عطف المضمون على المضمون أي : الابتلاء حاصللكم وكذا البشارة لكن لمن صبر .

و { مُّصِيبَةٌ } اسم فاعل من الإِصابة ، والمرأ بها الآلأام الداخلة على النفس بسبب ما ينالها من الشدائد والمحن .

و { رَاجِعونَ } من الرجوع بمعنى مصير الشيء إلى ما كان عليه ، يقال : رجعت الدار إلى فلان إذا كلها مرة ثانية ، وهو نظير العود والمصير .

والمعنى : وبشر يا محمد بالرحمة العظيمة والإِحسان الجزيل ، أولئك الصابرين الذين من صفاتهم أنهم إذا نزلت بهم مصيبة ، في أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم ، أو غير ذلك ، قالوا : بألسنتهم وقلوبهم على سبيل التسليم المطلق لقضاء الله والرضا بقدره { إِنَّا للَّهِ } أي : إنا لله ملكا وعبودية ، والمالك يتصرف في ملكه ويقلبه من حال إلى حال كيف يشاء ، { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } أي : وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها .

فقولهم : { إِنَّا للَّهِ } إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين . وقولهم { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } أي : وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها .

فقولهم : { إِنَّا للَّهِ } إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين . وقولهم : { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } إقرار بصحة البعث والحساب والثواب والعقاب يوم القيامة .

وليست هذه البشارة موجهة إلى الذين يقولون بألسنتهم هذا القول مع الجزع وعدم الرضا بالقضاء والقدر ، وإنما هذه البشارة موجهة إلى الذين يتلقون المصائب بالسكينة والتسليم لقضاء الله لأول حلولها ، يشير إلى هذا قوله- تعالى- : { الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ } فإنه يدل على أنهم يقولون ذلك وقت الإِصابة " ويصرح بهذا قوله صلى الله عليه وسلم " الصبر عند الصدمة الأولى " .

وهذه الجملة الكريمة وهي قوله - تعالى - : { الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم } . . إلخ وصف كريم لأولئك الصابرين ، لأنها أفادت أن صبرهم أكمل الصبر ، إذ هو صبر مقترن ببصيرة مستنيرة جعلتهم يقرون عن عقيدة صاقدة أنهم ملك لله يتصسرف فيهم كيف يشاء ، ومن ربط نفسه بعقيدة أنه ملك لله وأن المرجع إليه ، يكون بذلك قد هيأها للصبر الجميل عند كل مصيبة تفاجئه .

قال القرطبي : جعل الله هذه الكلمات وهي قوله - تعالى - { إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } ملجأ لذوي المصائب ، وعصمة للممتحنين ، لما جمعت من المعاني المباركة ، فإن قوله { إِنَّا للَّهِ } توحيد وإقرار بالعبودية والملك وقوله { وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ } إقرار بالهلك على أنفسنا والبعث من قبورنا ، واليقين أن رجعوا الأمر كله إلريه كما هو له . قال سعيد بن جبير : لم تعط هذه الكلمات نبياً قبل نبينا ، ولو عرفها يعقوب لما قال : يا أسفي على يوسف " .

هذا ، ولا يتنافى مع الصبر ما يكون من الحزن عند الحصول المصيبة ، فقد ورد في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند موت ابنه إبراهيم وقال : العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " .

وإنما الذي ينافيه ويؤاخذ الإِنسان عليه ، الجزع المفضي إلى إنكار حكمة الله فيما نزل به من بأساء أو ضراء ، أو إلى فعل ما حرمه الإِسلام من نحو النياحة وشق الجيوب ، ولطم الخدود .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

وأهم من هذا كله ، أو القاعدة لهذا كله . . الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتوارى الأوهام وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده . لا يجد سندا إلا سنده . وفي هذه اللحظة فقط تنجلي الغشاوات ، وتتفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مد البصر . . لا شيء إلا الله . . لا قوة إلا قوته . . لا حول إلا حوله . . لا إرادة إلا إرادته . . لا ملجأ إلا إليه . . وعندئذ تلتقي الروح بالحقيقة الواحدة التي يقوم عليها تصور صحيح . .

والنص القرآني هنا يصل بالنفس إلى هذه النقطة على الأفق :

( وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) . .

إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ، وبالتصور الصحيح .

هؤلاء هم الصابرون . . الذين يبلغهم الرسول الكريم بالبشرى من المنعم الجليل . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون{[2978]} الذين شكرهم ، قال : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } أي : تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم ، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما{[2979]} يشاء ، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة ، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده ، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة .

/خ157


[2978]:في جـ: "الصابرين".
[2979]:في جـ: "كيف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ} (156)

{ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لمن تتأتى منه البشارة . والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة " . وليس الصبر بالاسترجاع باللسان ، بل به وبالقلب بأن يتصور ما خلق لأجله ، وأنه راجع إلى ربه ، ويتذكر نعم الله عليه ليرى أن ما بقي عليه أضعاف ما استرده منه فيهون على نفسه ، ويستسلم له . والمبشر به محذوف دل عليه .