معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

قوله تعالى : { لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ، فإن قيل : كيف قال : كفرتم بعد إيمانكم ، وهم لم يكونوا مؤمنين ؟ . قيل : معناه : أظهرتم الكفر بعدما أظهرتم الإيمان . قوله تعالى : { إن نعف عن طائفة منكم } ، أي : نتب على طائفة منكم ، وأراد بالطائفة واحدا ، { نعذب } بالنون وكسر الذال ، { طائفة } نصب . وقرأ الآخرون : يعف بالياء وضمها الفاء ، { تعذب } بالتاء وفتح الدال ، طائف رفع على غير تسمية الفاعل . وقال محمد بن إسحاق : الذي عفا عنه رجل واحد ، هو مخشي بن حمير الأشجعي ، يقال هو تاب من نفاقه ، وقال : اللهم إني أزال أسمع آية تقرأ أعنى بها تقشعر الجلود منها ، وتجب منها القلوب ، اللهم اجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت ، فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا عرف مصرعه غيره .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه ، وتعظيم دينه ورسله ، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ، ومناقض له أشد المناقضة .

ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة ، والرسول لا يزيدهم على قوله { أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }

وقوله { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ } لتوبتهم واستغفارهم وندمهم ، { نُعَذِّبْ طَائِفَةً } منكم { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { كَانُوا مُجْرِمِينَ } مقيمين على كفرهم ونفاقهم .

وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة ، خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ، ويستهزئ به وبآياته ورسوله ، فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ، ويعاقبه أشد العقوبة .

وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه ، أو سخر بذلك ، أو تنقصه ، أو استهزأ بالرسول أو تنقصه ، فإنه كافر باللّه العظيم ، وأن التوبة مقبولة من كل ذنب ، وإن كان عظيما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

قوله - سبحانه - : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } تأكيد لإِبطال ما أظهروه من معاذير .

والاعتذار معناه محاولة محو أثر الذئب ، مأخوذ من قولهم : اعتذرت المنازل إذا اندثرت وزالت ، لأن المعتذر يحاول إزالة أثر ذنبه .

والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء المنافقين المستهزئين بما يجب إجلاله واحترامه وتوقيره : قبل له على سبيل التوبيخ والتجهيل أيضاً - لا تشتغلوا بتلك المعاذير الكاذبة فإنها غير مقبولة ، لأنكم بهذا الاستهزاء بالله وآياته ورسوله { قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أى : قد ظهر كفركم وثبت ، بعد إظهاركم الإِيمان على سبيل المخادعة ، فإذا كنا قبل ذلك نعاملكم معاملة المسلمين بمقتضى نطقكم بالشهادتين فنحن الآن نعاملكم معاملة الكافرين بسبب استهزائكم بالله وآياتة ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن الاستهزاء بالدين . كما يقول الإِمام الرازى . يعد من باب الكفر ، إذا أنه يدل على الاستخفاف ، والأساس الأول في الإِيمان تعظيم الله - تعالى - بأقصى الإِمكان ، والجمع بينهما محال .

وقوله - تعالى - : { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } بيان لمظهر من مظاهر عدله - سبحانه - ورحمته .

أى : { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } - أيها المنافقون - بسبب توبتهم وإقلاعهم عن النفاق ، { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } أخرى منكم بسبب إصرارهم على النفاق واستمرارهم في طريق الفسوق والعصيان .

هذا ، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها :

ما جاء عن زيد بن أسلم : " أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما رأى قراءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء ! ! فقال له عوف : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب عوف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه .

قال زيد : قال عبد الله بن عمر : فنظرت إليه - أى إلى المنافق - متعلقاً بحقب ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنكبه الحجارة يقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، فيقول له الرسول - صلى الله عليه وسلم - " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون " " .

وعن قتادة قال : " بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في غزوته إلى تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين فقالوا : يرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ! ! هيهات هيهات .

فأطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال نبى الله - صلى الله عليه وسلم - " أحسبوا على الركب " فأتاهم فقال لهم . قلتم كذا ، قلتم كذا . فقالوا : " يا نبى الله إنما كنا نخوض ونلعب " فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ما تسمعون .

وقال ابن اسحاق : " كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت . . ومنهم رجل من أشجع حليف لبنى سلمة يقال له " مخشى بن حمير " يسيرون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منطلق إلى تبوك - فقال بعضهم - أتحسبون جلاد بنى الأصفر - أيى الروم - كقتال العرب بعضهم ؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيباً للمؤمنين .

فقال مخضى بن حمير : والله لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة ، وأننا ننجو أن ينزل فينا قرآن لماقتلكم هذه .

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنى - لعمار بن ياسر - أدرك القوم فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا . فانطلق إليهم عمار ؛ فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتذرون إليه .

فقال وديعة بن ثابت ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقف على راحلته - يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب .

فقال مخشى بن حمير : يا رسول الله - قعد بى اسمى واسم أبى ، فكان الذي عفى عنه في هذه الاية مخشى بن حمير ، فتسمى عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتل شهيداً ، لا يعلم مكانه . فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر " .

هذه بعض الآثار التي وردت في سبب نزول هذه الآيات ، وهى توضح ما كان عليه المنافقون من كذب في المقال ، وجبن عن مواجهة الحقائق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

لذلك ، لعظم الجريمة ، يجبههم بأنهم قالوا كلمة الكفر ، وكفروا بعد إيمانهم الذي أظهروه ، وينذرهم بالعذاب ، الذي إن تخلف عن بعضهم لمسارعته إلى التوبة وإلى الإيمان الصحيح ، فإنه لن يصرف عن بعضهم الذي ظل على نفاقه واستهزائه بآيات اللّه ورسوله ، وبعقيدته ودينه :

( بأنهم كانوا مجرمين ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

وقوله : { لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } أي : بهذا المقال الذي استهزأتم به { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً } أي : لا يُعْفى عن جميعكم ، ولا بد من عذاب بعضكم ، { بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } أي : مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَآئِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم : لا تَعْتَذِرُوا بالباطل ، فتقولوا كنا نخوض ونلعب . قَدْ كَفَرْتُمْ يقول : قد جحدتم الحقّ بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به بَعْدَ إيمَانِكُمْ يقول : بعد تصديقكم به وإقراركم به . إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً وذُكر أنه عنى بالطائفة في هذا الموضع رجل واحد .

وكان ابن إسحاق يقول فيما :

حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي عفي عنه فيما بلغني مخشي بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ قال : طائفة : رجل .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن نَعْفُ عن طائفة منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر ، نعذّب طائفة بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال بعضهم : كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث ، فيسير مجانبا لهم ، فنزلت : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً فسمي طائفة وهو واحد .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه ، يعذّب الله طائفة منكم بترك التوبة .

وأما قوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ فإن معناه : نعذّب طائفة منهم باكتسابهم الجرم ، وهو الكفر بالله ، وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَآئِفَةٖ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَآئِفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (66)

وقوله تعالى : { لا تعتذروا } الآية ، المعنى قل لهم يا محمد لا تعتذروا على جهة التوبيخ كأنه قال لا تفعلوا ما لا ينفع .

ثم حكم عليهم بالكفر فقال لهم { قد كفرتم بعد إيمانكم } الذي زعمتموه ونطقتم به ، وقوله { عن طائفة منكم } يريد فيما ذكر المفسرون رجلاً واحداً قيل اسمه مخشن بن حفير قاله ابن إسحاق ، وقال ابن هشام : ويقال فيه مخشي ، وقال خليفة بن خياط في تاريخه : مخاشن بن حمير ، وذكر ابن عبد البر مخاشن الحميري وذكر جميعهم أنه استشهد باليمامة وكان قد تاب وتسمى عبد الرحمن ، فدعا الله أن يستشهد ، ويجهل أمره فكان ذلك باليمامة ولم يوجد جسده ، وذكر أيضاً ابن عبد البر محشي بن حمير بضم الحاء وفتح الميم وسكون الياء ولم يتقن القصة ، وكان محشي مع المنافقين الذين قالوا { إنما كنا نخوض ونلعب } فقيل كان منافقاً ثم تاب توبة صحيحة ، وقيل كن مسلماً مخلصاً إلا أنه سمع كلام المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم فعفا الله عنه في كلا الوجهين ، ثم أوجب العذاب لباقي المنافقين الذين قالوا ما تقدم ، وقرأ جميع السبعة سوى عاصم «إن يعف عن طائفة » بالياء «تعذب » بالتاء{[5770]} ، وقرأ الجحدري «إن يعف » بالياء على تقديره يعذب الله طائفة «بالنصب ، وقرأ عاصم وزيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن » إن نعف «بالنون » نعذب «بنون الجميع أيضا ً ، وقرأ مجاهد » إن تعفُ «بالتاء المضمومة على تقدير إن تعف هذه الذنوب » تعذب «بالتاء أيضاً .


[5770]:- قال أبو حيان في "البحر": ولقيني شيخنا الأديب أبو الحكم مالك بن المرحل المالقي بغرناطة فسألني: قراءة من تقرأ اليوم على الشيخ أبي جعفر الطباع؟ فقلت قراءة عاصم، فقال: لعاصم قراءة لغيرها مخالفة إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة