معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

قوله تعالى : { فانقلبوا } . فانصرفوا .

قوله تعالى : { بنعمة من الله } . بعافية لم يلقوا عدواً .

قوله تعالى : { وفضل } . تجارة وربح وهو ما أصابوا في السوق .

قوله تعالى : { لم يمسسهم سوء } . لم يصبهم أذى ولا مكروه .

قوله تعالى : { واتبعوا رضوان الله } . في طاعة الله وطاعة رسوله وذلك أنهم قالوا هل يكون هذا غزواً فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم .

قوله تعالى : { والله ذو فضل عظيم } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

{ فانقلبوا } أي : رجعوا { بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء }

وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم ، وندم من تخلف منهم ، فألقى الله الرعب في قلوبهم ، واستمروا راجعين إلى مكة ، ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل ، حيث مَنَّ عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة والاتكال على ربهم ، ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة ، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم ، وتقواهم عن معصيته ، لهم أجر عظيم ، وهذا فضل الله عليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

ثم حكى - سبحانه - ما تم لهؤلاء المجاهدين الذين خرجوا للقاء أعدائهم من عاقبة حسنة وعود حميد فقال - تعالى - : { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء واتبعوا رِضْوَانَ الله والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .

فالفاء فى قوله { فانقلبوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ } للتعقيب ، وهى معطوفة على مقدر دل عليه السياق .

ومعنى { انقلبوا } عادوا ورجعوا .

والنعمة : هى العطاء الذى ينفع صاحبه . والفضل : الزيادة فى العطاء والنعمة .

والمعنى : أن هؤلاء المجاهدين الصادقين خرجوا للقاء أعدائهم بدون وهن أو ضعف أو استكانة فلم يجدوهم ، فرجعوا إلى ديارهم مصحوبين { بِنِعْمَةٍ } عظيمة { مِّنَ الله } - تعالى - ، إذ خذل أعداءهم ، وسملهم من شرورهم ، ومصحوبين بفضل جليل منه - سبحانه - حيث أغدق عليهم ربحا وفيرا فى تجارتهم ، وأجراً جزيلا بسبب قوة إيمانهم ، وإخلاصهم فى دينهم .

قال الآلوسى : " روى البيهقى عن ابن عباس أن عيراً مرت فى أيام الموسم - أى موسم بدر - فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالا فقسمه بين أصحابه فذلك الفضل " .

وأخرج ابن جرير عن السدى قال : أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج فى غزوة بدر الصغرى أصحابه دراهم ابتاعوا بها فى الموسم ، فأصابوا تجارة - فربحوا بها " .

وقوله { بِنِعْمَةٍ } فى موضع الحال من الضمير { فانقلبوا } فتكون الباء للملابسة أو للمصاحبة فكأنه قيل : فانقلبوا متلبسين بنعمة أو مصاحبين لها .

وقوله { مِّنَ الله } متعلق بمحذوف صفة لنعمة ، وهو مؤكد لفخامتها وأنها نعمة جزيلة لا يقدر قدرها .

وقوله { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سواء } أى لم يصبهم أى أذى أو مكروه عند خروجهم وعودتهم .

والجملة فى موضع الحال من فاعل { انقلبوا } أى رجعوا منعمين مبرئين من السوء والأذى .

وقوله { واتبعوا رِضْوَانَ الله } معطوف على قوله { فانقلبوا } .

أى اتبعوا ما يرضى الله ويوصلهم إلى مثوبته ورحمته ، باستجابتهم لرسولهم صلى الله عليه وسلم وخروجهم للقاء أعدائهم بإيمان عميق ، وعزم وثيق .

فأنت ترى أن الله - تعالى - قد أخبر عن هؤلاء المجاهدين المخلصين أنهم قد صحبهم فى عودتهم أمور أربعة :

أولها : النعمة العظيمة .

وثانيهما : الفضل الجزيل .

وثالثها : السلامة من السوء .

ورابعها : اتباع رضوان الله .

وهذا كله قد منحه الله لهم جزاء إخلاصهم وثباتهم على الحق الذى آمنوا به .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : { والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .

أى والله - تعالى - صاحب الفضل العظيم الذى لا يحده حصر ، ولا يحصيه عد ، هو الذى تفضل على هؤلاء المؤمنين الصادقين بما تفضل به نم عطاء كريم ، وثواب جزيل .

وفى هذا التذيل زيادة تبشير للمؤمنين برعاية الله لهم ، وزيادة تحسير للمتخلفين عن الجهاد فى سبيله - عز وجل - ، حيث حرموا أنفسهم مما فاز به المؤمنون الصادقون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

121

ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه ، المكتفي به ، المتجردين له :

( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ) .

فأصابوا النجاة - لم يمسسهم سوء - ونالوا رضوان الله . وعادوا بالنجاة والرضى .

( بنعمة من الله وفضل ) . .

فهنا يردهم إلى السبب الأول في العطاء : نعمة الله وفضله على من يشاء . ومع التنويه بموقفهم الرائع ، فإنه يرد الأمر إلى نعمة الله وفضله ، لأن هذا هو الأصل الكبير ، الذي يرجع إليه كل فضل ، وما موقفهم ذاك إلا طرف من هذا الفضل الجزيل !

( والله ذو فضل عظيم ) . .

بهذا يسجل الله لهم في كتابه الخالد ، وفي كلامه الذي تتجاوب به جوانب الكون كله ، صورتهم هذه ، وموقفهم هذا ، وهي صورة رفيعة ، وهو موقف كريم .

وينظر الإنسان في هذه الصورة وفي هذا الموقف ، فيحس كأن كيان الجماعة كله قد تبدل ما بين يوم وليلة . نضجت . وتناسقت . واطمأنت إلى الأرض التي تقف عليها . وانجلى الغبش عن تصورها . وأخذت الأمر جدا كله . وخلصت من تلك الأرجحة والقلقلة ، التي حدثت بالأمس فقط في التصورات والصفوف . فما كانت سوى ليلة واحدة هي التي تفرق بين موقف الجماعة اليوم وموقفها بالأمس . . والفارق هائل والمسافة بعيدة . . لقد فعلت التجربة المريرة فعلها في النفوس ؛ وقد هزتها الحادثة هزا عنيفا . أطار الغبش ، وأيقظ القلوب ، وثبت الأقدام ، وملأ النفوس بالعزم والتصميم . .

نعم . وكان فضل الله عظيما في الابتلاء المرير . .

/خ179

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

وقوله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا [ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ]{[6221]} } أي : الذين توعدهم الناس [ بالجموع ]{[6222]} وخوفوهم بكثرة الأعداء ، فما اكترثوا لذلك ، بل توكلوا على الله واستعانوا به { وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }

قال البخاري : حدثنا أحمد بن يونس ، أراه قال : حدثنا أبو بكر ، عن أبي حَصين ، عن أبي الضُّحَى ، عن ابن عباس : { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلْقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }

وقد رواه النسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وهارون بن عبد الله ، كلاهما عن يحيى بن أبي بُكَير ، عن أبي بكر - وهو ابن عياش - به . والعجب أن الحاكم [ أبا عبد الله ]{[6223]} رواه من حديث أحمد بن يونس ، به ، ثم قال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه{[6224]} .

ثم{[6225]} رواه البخاري عن أبي غَسَّان مالك بن إسماعيل ، عن إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن أبي الضُّحَى ، عن ابن عباس قال : كان آخر قول إبراهيم ، عليه السلام ، حين ألقي في النار : { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }{[6226]} .

وقال عبد الرزاق : قال ابن عيينة : وأخبرني زكريا ، عن الشَّعْبِي ، عن عبد الله بن عمرو قال : هي كلمة إبراهيم عليه السلام حين ألقي في البنيان . رواه ابن جرير .

وقال أبو بكر بن مَرْدُويه : حدثنا محمد بن مَعْمَر ، حدثنا إبراهيم بن موسى الثوري{[6227]} أخبرنا عبد الرحيم بن محمد بن زياد السكري ، أنبأنا أبو بكر بن عياش ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم أحد : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم . فأنزل الله هذه الآية{[6228]} .

وروى أيضا بسنده عن محمد بن عُبَيد الله الرافعي ، عن أبيه ، عن جده أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم وَجَّه عليا في نفر معه في طلب أبي سفيان ، فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال : إن القوم قد جمعوا لكم قالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل . فنزلت فيهم هذه الآية .

ثم قال ابن مَرْدُويه : حدثنا دَعْلَجَ بن أحمد ، أخبرنا الحسن بن سفيان ، أنبأنا أبو خَيْثَمَة مُصْعَب بن سعيد ، أنبأنا موسى بن أعين ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذَا وَقَعْتُمْ فِي الأمْرِ العظيمِ فَقُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " {[6229]} .

هذا حديث غريب من هذا الوجه .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا حَيْوَة بن شُرَيح وإبراهيم بن أبي العباس قالا حدثنا بَقِيَّة ، حدثنا بَحِير{[6230]} بن سَعْد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن سيف ، عن عوف بن مالك أنه حدثهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قَضَى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال رسول الله{[6231]} صلى الله عليه وسلم : " رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ " . فقال : " ما قلتَ ؟ " . قال : قلتُ : حسبي الله ونعم الوكيل . فقال رسول الله{[6232]} صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ " .

وكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث بقية عن بَحِير ، عن خالد ، عن سَيْف - وهو الشامي ، ولم ينسب - عن عوف بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه{[6233]} .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط ، حدثنا مُطَرِّف ، عن عَطية ، عن ابن عباس [ في قوله : { فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ } [ المدثر : 8 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ ، يَسْمَعُ مَتَى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ " . فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : فما نقول{[6234]} ؟ قَالَ : " قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا "

وقد روي هذا من غير وجه ، وهو حديث جيد{[6235]} وروينا عن أم المؤمنين عائشة وزينب [ بنت جحش ]{[6236]} رضي الله عنهما ، أنهما تفاخرتا فقالت زينب : زَوجني الله وزوجَكُن أهاليكن{[6237]} وقالت عائشة : نزلت براءتي من السماء في القرآن . فَسَلَّمَت لها زينب ، ثم قالت : كيف قلتِ حين ركبت راحلة صَفْوان بن المعطل ؟ فقالت : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل ، فقالت زينب : قلت كلمة المؤمنين{[6238]} .

ولهذا قال تعالى : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } أي : لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمَّهُمْ وَرد عنهم بأس من أراد كيدهم ، فرجعوا إلى بلدهم { بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } مما أضمر لهم عدوهم { وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }

قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو بكر بن داود الزاهد ، حدثنا محمد بن نُعَيم ، حدثنا بِشْر بن الحكم ، حدثنا مُبشِّر بن عبد الله بن رَزِين ، حدثنا سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى{[6239]} { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } قال : النعمة أنهم سلمُوا ، والفضل أن عيرا مرت ، وكان في أيام الموسم ، فاشتراها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فربح فيها مالا فقسمه بين أصحابه .

وقال ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد في قوله : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } قال : [ هذا ]{[6240]} أبو سفيان ، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم : موعدكم بدر ، حيثُ قتلتم أصحابنا . فقال محمد صلى الله عليه وسلم : " عَسَى " . فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعِده{[6241]} حتى نزل بدرًا ، فوافقوا السوق فيها وابتاعوا{[6242]} فذلك قول الله عز وجل : { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ] {[6243]} } قال : وهي غزوة بدر الصغرى .

رواه ابن جرير . وروى [ أيضا ]{[6244]} عن القاسم ، عن الحُسَين ، عن حجاج ، عن ابن جُرَيج قال : لما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش ، فيقولون{[6245]} قد جمعوا لكم يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرْعَبُوهم{[6246]} فيقول المؤمنون : { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية لم ينازعهم فيها أحد ، قال : رَجُل{[6247]} من المشركين فأخبر أهل مَكَّة بخيل محمد ، وقال في ذلك :

نَفَرَتْ قَلُوصِي من خُيول محمد*** وَعَجْوَةٍ منْثُورةٍ كالعُنْجُدِ

واتَّخَذَتْ ماء قُدَيْدٍ مَوْعدي

ثم قال ابن جرير : هكذا أنشدنا القاسم ، وهو خطأ ، وإنما هو : قَد نَفَرَتْ من رفْقَتي محمد*** وَعَجْوَة مِنْ يَثْربٍ كَالعُنْجُد

تَهْوى{[6248]} عَلَى دين أبِيها الأتْلَد*** قَدْ جَعَلَتْ ماء قُدَيْدٍ مَوْعدي

وَمَاء ضَجْنَان لَهَا ضُحَى الغَد{[6249]}


[6221]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[6222]:زيادة من جـ، ر.
[6223]:زيادة من و.
[6224]:صحيح البخاري برقم (4563، 4564) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11081) والمستدرك (2/298) وأقره الذهبي مع أن البخاري قد روى هذا الحديث من هذا الوجه.
[6225]:في جـ: "و".
[6226]:صحيح البخاري برقم (4564).
[6227]:في أ: و: "التوزي".
[6228]:ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/86) من طريق إبراهيم بن موسى الجوزي وهو الثوري عن عبد الرحيم بن محمد السكري به.
[6229]:ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/390) وفي الجامع الصغير وعزاه إلى ابن مردويه، ورمز له المناوي بالضعف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع برقم (829).
[6230]:في أ: "يحيى".
[6231]:في أ: "النبي".
[6232]:في أ: "النبي".
[6233]:المسند (6/24) وسنن أبي داود برقم (3627) والنسائي في السنن الكبرى برقم (10462).
[6234]:في و: "فما تأمرنا".
[6235]:المسند (1/326).
[6236]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[6237]:في جـ، ر، أ، و: "أهلوكن".
[6238]:رواه الطبري في تفسيره (10/88، 89) ط "الفكر" من طريق محمد بن عبد الله بن جحش، وسيأتي إن شاء الله في تفسير سورة النور.
[6239]:في ر: "عز وجل".
[6240]:زيادة من جـ، ر.
[6241]:في جـ: "بموعده".
[6242]:في و: "فابتاعوا".
[6243]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[6244]:زيادة من جـ، ر، أ، و.
[6245]:في جـ: "فيقولون لهم".
[6246]:في و: "يرهبوهم".
[6247]:في جـ، ر، أ: "قال: وقدم رجل".
[6248]:في جـ، ر، أ، و: "فهو".
[6249]:تفسير الطبري (7/411، 412).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوَءٌ وَاتّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ } فانصرف الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح من وجههم الذي توجهوا فيه ، وهو سيرهم في أثر عدوّهم إلى حمراء الأسد . { بنعمةٍ من اللّهِ } يعني : بعافية من ربهم لم يلقوا بها عدوّا . { وفضل } يعني : أصابوا فيها من الأرباح بتجارتهم التي اتجروا بها ، والأجر الذي اكتسبوه . { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } يعني : لم ينلهم بها مكروه من عدوّهم ولا أذى . { وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } يعني بذلك أنهم أرضَوا الله بفعلهم ذلك واتباعهم رسوله إلى ما دعاهم إليه من اتباع أثر العدوّ وطاعتهم . { وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } يعني : والله ذو إحسان وطول عليهم بصرف عدوّهم الذي كانوا قد هموا بالكرّة إليهم ، وغير ذلك من أياديه عندهم ، وعلى غيرهم بنعمه ، عظيم عند من أنعم به عليه من خلقه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ } قال : والفضل : ما أصابوا من التجارة والأجر .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : وافقوا السوق فابتاعوا ، وذلك قوله : { فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ } قال : الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر . قال ابن جريج : ما أصابوا من البيع نعمة من الله وفضل ، أصابوا عفوه وعزّته ، لا ينازعهم فيه أحد . قال : وقوله : { لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } قال : قتل ، { وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } قال : طاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لما صرف عنهم من لقاء عدوّهم .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : أطاعوا الله ، وابتغوا حاجتهم ، ولم يؤذهم أحد . { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : حين خرج إلى غزوة بدر الصغرى ببدر دراهم ابتاعوا بها من موسم بدر ، فأصابوا تجارة¹ فذلك قول الله : { فانْقَلَبُوا بنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ } . أما النعمة : فهي العافية ، وأما الفضل : فالتجارة ، والسوء : القتل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

{ فانقلبوا } فرجعوا من بدر . { بنعمة من الله عافية وثبات على الإيمان وزيادة . { وفضل } وربح في التجارة فإنهم لما أتوا بدرا وأوفوا بها سوقا فاتجروا وربحوا . { لم يمسسهم سوء } من جراحة وكيد عدو . { واتبعوا رضوان الله } الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم . { والله ذو فضل عظيم } قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد ، والتصلب في الدين وإظهار الجراءة على العدو ، وبالحفظ عن كل ما يسوءهم ، وإصابة النفع مع ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل . وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

وقوله تعالى : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } يريد في السلامة والظهور في اتباع العدو وحماية الحوزة ، وبفضل في الأجر الذي حازوه والفضل الذي تجللوه ، وباقي الآية بين قد مضت نظائره ، هذا هو تفسير الجمهور لهذه الآية ، وأنها في غزوة -أحد- في الخرجة إلى حمراء الأسد وشذ مجاهد رحمه الله فقال : إن هذه الآية من قوله : { الذين قال لهم الناس } إلى قوله : { فضل عظيم } إنما نزلت في خروج النبي عليه السلام إلى بدر الصغرى ، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في - أحد - إذ قال : موعدنا بدر من العام المقبل ، فقال النبي عليه السلام : ( قولوا نعم ) {[3723]} : فخرج رسول الله قبل بدر وكان بها سوق عظيم ، فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي{[3724]} فأخبره أن قريشاً قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها ، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا : { حسبنا الله ونعم الوكيل } ، وصمموا حتى أتوا بدراً فلم يجدوا عدواً ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدماً وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيداً وربحوا في تجارتهم ، فذلك قوله تعالى : { بنعمة من الله وفضل }{[3725]} أي فضل في تلك التجارة ، والصواب ما قاله الجمهور : إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد ، وما قال ابن قتيبة وغيره : من أن لفظة { الناس } على رجل واحد من هذه الآية ، فقول ضعيف .


[3723]:- أخرجه الحاكم في "الإكليل" عن الواقدي بهذه الصيغة، والخطاب موجه إلى عمر رضي الله عنه كما في (المواهب للقسطلاني بشرح الزرقاني 2/93).
[3724]:- هو نعيم بن مسعود بن عامر، يكنى أبا سلمة الأشجعي صحابي مشهور، وله رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خذّل المشركين وبني قريظة يوم الخندق، توفي في خلافة عثمان، وقيل: في وقعة الجمل. (الإصابة 2/568. والاستيعاب).
[3725]:- أخرجه ابن جرير عن السدي (الدر المنثور 2/104)
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

قوله : { فانقلبوا بنعمة من الله } تعقيب للإخبار عن ثبات إيمانهم وقولِهم : حسبنا الله ونعم الوكيل ، وهو تعقيب لمحذوف يدلّ عليه فعل { فانقلبوا } ، لأنّ الانقلاب يقتضي أنَّهم خرجوا للقاء العدوّ الذي بلغ عنهم أنّهم جمعوا لَهم ولم يَعبأوا بخويف الشيطان ، والتقدير : فخرجوا فانقلبوا بنعمة من الله .

والباء للملابسة أي ملابسين لِنعمة وفضل من الله . فالنعمة هي ما أخذوه من الأموال ، والفضلُ فضل الجهاد . ومعنى لم يمسسهم سوء لم يلاقوا حرباً مع المشركين .