السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

كما قال تعالى :

أي : انصرفوا { بنعمة من الله } أي : بعافية لم يلقوا عدوّاً { وفضل } أي : تجارة وربح وهو ما أصابوا في السوق { لم يمسسهم سوء } أي : لم يصبهم أذى ولا مكروه ، ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق قالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق .

تنبيه : الناس الأول المثبطون والآخرون أبو سفيان وأصحابه .

فإن قيل : المثبط هو أبو نعيم فكيف قيل : الناس ؟ أجيب : بأنه من جنس الناس كما يقال : فلان يركب الخيل ويلبس البرد وما له إلا فرس واحد ، وبرد واحد ولأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يثبطون مثل تثبيطه بل قيل : إنهم كانوا جماعة فقد مرّ بأبي سفيان ركب من عبد القيس يريدون المدينة للميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوهم .

فإن قيل : كيف زادهم القول إيماناً ؟ أجيب : بأنهم لما سمعوا ذلك وأخلصلوا عنده النية والعزم على الجهاد وأظهروا حمية الإسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم كما يزداد الإيمان والإيقان بتناصر الحجج ، ولأن خروجهم على أثر التثبيط إلى وجه العدو طاعة عظيمة والطاعات تزيد الإيمان فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قلنا : يا رسول الله إنّ الإيمان يزيد وينقص قال : ( نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار ) . وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يأخذ بيد الرجل فيقول : قم بنا نزدد إيماناً ، وعنه رضي الله تعالى عنه : ( لو وزن إيمان أبي بكر رضي الله تعالى عنه بإيمان هذه الأمّة لرجح به ) { واتبعوا رضوان الله } الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم { والله ذو فضل عظيم } قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين وإظهار الجراءة على العدوّ بالحفظ على كل من يسوءهم وإصابة النفع من ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل وفيه تحسر المتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به .