في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

121

ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه ، المكتفي به ، المتجردين له :

( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله ) .

فأصابوا النجاة - لم يمسسهم سوء - ونالوا رضوان الله . وعادوا بالنجاة والرضى .

( بنعمة من الله وفضل ) . .

فهنا يردهم إلى السبب الأول في العطاء : نعمة الله وفضله على من يشاء . ومع التنويه بموقفهم الرائع ، فإنه يرد الأمر إلى نعمة الله وفضله ، لأن هذا هو الأصل الكبير ، الذي يرجع إليه كل فضل ، وما موقفهم ذاك إلا طرف من هذا الفضل الجزيل !

( والله ذو فضل عظيم ) . .

بهذا يسجل الله لهم في كتابه الخالد ، وفي كلامه الذي تتجاوب به جوانب الكون كله ، صورتهم هذه ، وموقفهم هذا ، وهي صورة رفيعة ، وهو موقف كريم .

وينظر الإنسان في هذه الصورة وفي هذا الموقف ، فيحس كأن كيان الجماعة كله قد تبدل ما بين يوم وليلة . نضجت . وتناسقت . واطمأنت إلى الأرض التي تقف عليها . وانجلى الغبش عن تصورها . وأخذت الأمر جدا كله . وخلصت من تلك الأرجحة والقلقلة ، التي حدثت بالأمس فقط في التصورات والصفوف . فما كانت سوى ليلة واحدة هي التي تفرق بين موقف الجماعة اليوم وموقفها بالأمس . . والفارق هائل والمسافة بعيدة . . لقد فعلت التجربة المريرة فعلها في النفوس ؛ وقد هزتها الحادثة هزا عنيفا . أطار الغبش ، وأيقظ القلوب ، وثبت الأقدام ، وملأ النفوس بالعزم والتصميم . .

نعم . وكان فضل الله عظيما في الابتلاء المرير . .

/خ179