إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

{ فانقلبوا } عطفٌ على مقدّر ينسحبُ عليه الكلامُ أي فخرجوا إليهم ووافَوا الموعِد . روي أنه عليه الصلاة والسلام وافي بجيشه بدراً وأقام بها ثمانيَ ليالٍ وكانت معهم تجاراتٌ فباعوها وأصابوا خيراً كثيراً ، والباء في قوله تعالى : { بِنِعْمةٍ } متعلقةٌ بمحذوف وقع حالاً من الضمير في فانقلبوا ، والتنوينُ للتفخيم أي فرَجَعوا من مقصِدهم ملتبسين بنعمة عظيمةٍ لا يقادَر قدرُها وقوله عز وجل : { مِنَ الله } متعلقٌ بمحذوف وقعَ صفةً لنعمة مؤكدةً لفخامتها الذاتيةِ التي يفيدها التنكيرُ بالفخامة الإضافيةِ أي كائنةٍ من الله تعالى وهي العافيةُ والثباتُ على الإيمان والزيادةُ فيه وحذَرُ العدوِّ منهم { وَفَضْلٍ } أي ربحٍ في التجارة وتنكيره أيضاً للتفخيم { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء } حالٌ أخرى من الضمير في فانقلبوا أو من المستكنِّ في الحال كأنه قيل : منعّمين حالَ كونِهم سالمين عن السوء والحالُ إذا كان مضارعاً منفياً بلم وفيه ضميرُ ذي الحالِ جاز فيه دخولُ الواوِ كما في قوله تعالى : { أَوْ قَالَ أُوْحِى إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيء } [ الأنعام ، الآية 93 ] وعدمُه كما في هذه الآية الكريمة وفي قوله تعالى : { وَرَدَّ الله الذين كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً } [ الأحزاب ، الآية 25 ] ، { واتبعوا } في كل ما أتَوا من قول وفعل { رضوان الله } الذي هو مناطُ الفوزِ بخير الدارين { والله ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } حيث تفضَّل عليهم بالتثبيت وزيادةِ الإيمانِ والتوفيقِ للمبادرة إلى الجهاد والتصلبِ في الدين وإظهارِ الجراءةِ على العدو ، وحفِظَهم عن كل ما يسوءهم مع إصابة النفعِ الجليلِ ، وفيه تحسيرٌ لمن تخلّف عنهم وإظهارٌ لخطأ رأيِهم حيث حرَموا أنفسَهم ما فاز به هؤلاء . روي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزواً ؟ فأعطاهم الله تعالى ثوابَ الغزوِ ورضي عنهم .