البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

{ فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } أي : فرجعوا من بدر مصحوبين بنعمة من الله وهي : السلامة وحذر العدوّ إياهم ، وفضل : وهو الربح في التجارة .

كقوله : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } هذا الذي اختاره الزمخشري في تفسير هذا الانقلاب ، ولم يذكر غيره ، وهو قول مجاهد .

قال ابن عطية : والجمهور على أن معنى هذه الآية فانقلبوا بنعمة ، يريد : في السلامة والظهور ، وفي اتباع العدو ، وحماية الحوزة ، وبفضل في الأجر الذي حازوه ، والفخر الذي تخللوه ، وأنها في غزوة أحد في الخرجة إلى حمراء الأسد .

وشذ مجاهد وقال : في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر الصغرى ، وذكر قصة نعيم وأبي سفيان .

قال : والصواب ما قاله الجمهور : إن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد ، انتهى كلامه .

والكلام في هذه الآية مبني على الخلاف في قوله : { الذين استجابوا لله والرّسول } وقد تقدّم ذكره عند ذكر تفسيرها .

وفرق بعضهم بين الانقلاب والرجوع ، بأن الانقلاب صيرورة الشيء إلى خلاف ما كان عليه .

قال : ويوضح هذا أنك تقول : انقلبت الخمر خلاًّ ، ولا تقول : رجعت الخمر خلاًّ انتهى كلامه ، وفي ذلك نظر .

وقيل : النعمة الأجر قاله : مجاهد .

وقيل : العافية والنصر .

قاله : الزجاج .

قيل : والفضل ربح التجارة قاله : مجاهد ، والسدي ، والزهري .

وتقدّم حكاية هذا القول عن مجاهد .

وقيل : أصابوا سرية بالصفراء فرزقوا منها قاله : مقاتل .

وقيل : الثواب ذكره الماوردي .

والجملة من قوله : لم يمسسهم سوء في موضع الحال ، أي سالمين .

وبنعمة حال أيضاً ، لأن الباء فيه باء المصاحبة ، أي : انقلبوا متنعمين سالمين .

والجملة الحالية المنفية بلم المشتملة على ضمير ذي الحال ، يجوز دخول الواو عليها ، وعدم دخولها .

فمن الأوّل قوله تعالى : { أو قال أوحي إليّ }

ولم يوح إليه شيء ، وقول الشاعر :

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم *** أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل

ومن الثاني قوله تعالى : { وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً } وقول قيس بن الأسلت :

واضرب القوس يوم الوغى *** بالسيف لم يقصر به باعي

ووهم الأستاذ أبو الحسن بن خروف في ذلك فزعم : أنها إذا كانت الجملة ماضية معنى لا لفظاً احتاجت إلى الواو كان فيها ضميراً ، ولم يكن فيها .

والمستعمل في لسان العرب ما ذكرناه .

واتباعهم رضوان الله هو بخروجهم إلى العدو ، وجراءتهم ، وطواعيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم .

وختمها بقوله : والله ذو فضل عظيم ، مناسب لقوله : { بنعمة من الله وفضل } تفضل عليهم بالتيسير والتوفيق في ما فعلوه ، وفي ذلك تحسير لمن تخلف عن الخروج حيث حرموا أنفسهم ما فاز به هؤلاء من الثواب في الآخرة والثناء الجميل في الدنيا .

وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزواً ؟ فأعطاهم الله تعالى ثواب الغزو ، ورضي عنهم .

وهذه عاقبة تفويض أمرهم إليه تعالى ، جازاهم بنعمته ، وفضله ، وسلامتهم واتباعهم رضاه .

/خ180