مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

ثم قال تعالى : { فانقلبوا بنعمة من الله وفضل } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج والمعنى : وخرجوا فانقلبوا ، فحذف الخروج لأن الانقلاب يدل عليه ، كقوله : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } أي فضرب فانفلق ، وقوله : { بنعمة من الله وفضل } قال مجاهد والسدي : النعمة ههنا العافية ، والفضل التجارة ، وقيل : النعمة منافع الدنيا ، والفضل ثواب الآخرة ، وقوله : { لم يمسسهم سوء } لم يصبهم قتل ولا جراح في قول الجميع { واتبعوا رضوان الله } في طاعة رسوله { والله ذو فضل عظيم } قد تفضل عليهم بالتوفيق فيما فعلوا ، وفي ذلك إلقاء الحسرة في قلوب المتخلفين عنهم وإظهار لخطأ رأيهم حيث حرموا أنفسهم مما فاز به هؤلاء ، وروي أنهم قالوا : هل يكون هذا غزوا ، فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم .

واعلم أن أهل المغازي اختلفوا ، فذهب الواقدي إلى تخصيص الآية الأولى بواقعة حمراء الأسد ، والآية الثانية ببدر الصغرى ، ومنهم من يجعل الآيتين في وقعة بدر الصغرى ، والأول أولى لأن قوله تعالى : { من بعد ما أصابهم القرح } كأنه يدل على قرب عهد بالقرح ، فالمدح فيه أكثر من المدح على الخروج على العدو من وقت إصابة القرح لمسه ، والقول الآخر أيضا محتمل . والقرح على هذا القول يجب أن يفسر بالهزيمة ، فكأنه قيل : إن الذين انهزموا ثم أحسنوا الأعمال بالتوبة واتقوا الله في سائر أمورهم ، ثم استجابوا لله وللرسول عازمين على الثواب موطنين أنفسهم على لقاء العدو ، بحيث لما بلغهم كثرة جموعهم لم يفتروا ولم يفشلوا ، وتوكلوا على الله ورضوا به كافيا ومعينا فلهم أجر عظيم لا يحجبهم عنه ما كان منهم من الهزيمة إذ كانوا قد تابوا عنها والله أعلم .