الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (174)

قولُه تعالى : { بِنِعْمَةٍ } : فيه وجهان أحدهما : أنها متعلقةٌ بنفس الفعل على أنها باءُ التعدية . والثاني : أنها تتعلَّقُ بمحذوفٍ على أنها حالٌ من الضميرِ في " انقلبوا " والباءُ على هذا للمصاحبةِ كأنه قيل : فانقلبوا ملتبسينَ بنعمةٍ ومصاحبين لها .

قوله : { لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } هذه الجملةٌ في محل نصب على الحال أيضاً ، وفي ذي الحال وجهان أحدهما : أنه فاعلُ " انقلبوا " أي : انقلبوا سالمين من السوء . والثاني : أنه الضميرُ المستكنُّ في " بنعمة " إذا كانت حلاً ، والتقديرُ : فانقلبوا مُنَعَّمين بريئين من السوء ، والعامل فيها العاملُ في " بنعمة " فهما حالان متداخلتان ، والحال إذا وقعت مضارعاً منفياً ب " لم " وفيها ضميرُ ذي الحال جاز دخولُ الواو وعدمُه ، فمِن الأول قولُه تعالى :

{ أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } [ الأنعام : 93 ] وقولُ كعب :لا تَأْخُذَنِّي بأقوالِ الوشاةِ ولم *** أُذْنِبْ وإنْ كَثُرَتْ فِيَّ الأقاويلُ

ومن الثاني هذه الآيةُ وقَولُه : { وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً } [ الأحزاب : 25 ] ، وقولُ قيس بن الأسلت :

وأضرِبُ القَوْنَسَ يوم الوغى *** بالسيفِ لم يَقْصُرْ به باعِي

وبهذا يُعْرف غلط الأستاذ ابن خروف حيث زعم أنه الواو لازمةٌ في مثل هذا ، سواءً كان في الجملة ضميرٌ أم لم يكن .

قوله : { وَاتَّبَعُواْ } يجوز في ِهذه الجملة وجهان ، أحدهما : أنها عطف على " انقلبوا " . والثاني : أنها حال من فاعل " انقلبوا " أيضاً ، ويكونُ على إضمار " قد " أي : وقد اتبعوا .