معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

قوله تعالى : { دعواهم } ، أي : قولهم وكلامهم . وقيل : دعاؤهم . { فيها سبحانك اللهم } ، وهي كلمة تنزيه ، تنزه الله من كل سوء . وروينا : { أن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح ، كما يلهمون النفس } . قال أهل التفسير : هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام ، فإذا أرادوا الطعام قالوا : سبحانك اللهم ، فأتوهم في الوقت بما يشتهون على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، على كل مائدة سبعون ألف صحفة ، وفي كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا ، فإذ فرغوا من الطعام حمدوا لله ، فذلك قوله تعالى :{ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } .

قوله تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } أي : يحي بعضهم بعضا بالسلام . وقيل : تحية الملائكة لهم بالسلام . وقيل : تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام . { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } ، يريد : يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } أي عبادتهم فيها لله ، أولها تسبيح لله وتنزيه له عن النقائض ، وآخرها تحميد لله ، فالتكاليف سقطت عنهم في دار الجزاء ، وإنما بقي لهم أكمل اللذات ، الذي هو ألذ عليهم من المآكل اللذيذة ، ألا وهو ذكر الله الذي تطمئن به القلوب ، وتفرح به الأرواح ، وهو لهم بمنزلة النَّفَس ، من دون كلفة ومشقة .

{ و } أما { تَحِيَّتُهُمْ } فيما بينهم عند التلاقي والتزاور ، فهو السلام ، أي : كلام سالم من اللغو والإثم ، موصوف بأنه { سَلَامٌ } وقد قيل في تفسير قوله { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ } إلى آخر الآية ، أن أهل الجنة -إذا احتاجوا إلى الطعام والشراب ونحوهما- قالوا سبحانك اللهم ، فأحضر لهم في الحال .

فإذا فرغوا قالوا : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

وقوله : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم } أى : دعاؤهم في هذه الجنات يكون بقولهم : سبحانك اللهم . فالدعوى ها هنا بمعنى الدعاء . يقال : دعا يدعو دعاء ودعوى . كما يقال : شكا يشكو شكاية وشكوى .

ولفظ سبحان : اسم مصدر بمعنى التسبيح وهو منصوب بفعل مضمر لا يكاد يذكر معه .

ولفظ اللهم أصله يا الله ، فلما استعمل دون حرف النداء الذي هو " يا " جعلت هذه الميم المشددة في آخره عوضا عن حرف النداء .

قال الإِمام الرازي : " ومما يقوي أن المراد من الدعووى هنا الدعاء ، أنهم قالوا : اللهم .

وهذا نداء الله - تعالى - ومعنى قولهم : سبحانك اللهم . إنا نسبحك . كقول القانت في دعاء القنوت " اللهم إياك نعبد " .

ثم قال : ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة . ونظيره قوله - تعالى - : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } أى : وما تعبدون ، فيكون معنى الآية : أنه لا عبادة لأهل الجنة إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه ، ويكون اشتغالهم بذلك الذكر لا على سبيل التكليف ، بل على سبيل الابتهاج بذكر الله - تعالى - .

وقوله { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } معطوف على ما قبله . والتحية : التكرمة بالحال الجليلة ، وأصلها أحياك الله حياة طيبة . والسلام : بمعنى السلامة من كل مكروه .

أى : دعاؤهم في الجنة أن يقولوا سبحانك اللهم . وتحيتهم التي يحيون بها هي السلامة من كل مكروه .

وهذه التحية تكون من الله - تعالى - لهم كما في قوله - سبحانه - { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } وتكون من الملائكة كما في قوله - تعالى - : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ . سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار }

وتكون منهم فيما بينهم كما يتبادر من قوله - تعالى - { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً . . . } وقوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين } أى : وختام دعائهم يكون بقولهم : الحمد لله رب العالمين .

قال الإِمام القرطبي ما ملخصه : " ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن التهليل والتسبيح والحمد قد يسمى دعاء " .

روى الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ، ورب العرش الكريم " . قال الطبري : كان السلف يدعون بهذا الدعاء ويسمونه دعاء الكرب .

والذي يقطع النزاع ويثبت أن هذا يسمى دعاء ، وإن لم يكن فيه من معنى الدعاء شيء ، وإنما هو تعظيم لله - تعالى - وثناء عليه ، ما رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دعوة ذي النون إذ دعا بها في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إلا استجيب له " .

ويستحب للداعي أن يقول في آخر دعائه كما قال الله - تعالى - حكاية عن أهل الجنة : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

فما همومهم في هذه الجنة وما هي شواغلهم ، وما هي دعواهم التي يحبون تحقيقها ? إن همومهم ليست مالاً ولا جاهاً ، وإن شواغلهم ليست دفع أذى ولا تحصيل مصلحة . لقد كفوا شر ذلك كله ، ولقد اكتفوا فما لهم من حاجة من تلك الحاجات ، ولقد استغنوا بما وهبهم الله ، ولقد ارتفعوا عن مثل هذه الشواغل والهموم . إن أقصى ما يشغلهم حتى ليوصف بأنه( دعواهم )هو تسبيح الله أولا وحمده أخيرا ، يتخلل هذا وذاك تحيات بينهم وبين أنفسهم وبينهم وبين ملائكة الرحمن :

( دعواهم فيها : سبحانك اللهم . وتحيتهم فيها سلام . وآخر دعواهم : أن الحمد لله رب العالمين ) . .

إنه الانطلاق من هموم الحياة الدنيا وشواغلها ؛ والارتفاع عن ضروراتها وحاجاتها ، والرفرفة في آفاق الرضى والتسبيح والحمد والسلام . تلك الآفاق اللائقة بكمال الإنسان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

وقوله : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي : هذا حال أهل الجنة .

قال ابن جريج : أخبرتُ أن قوله : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } [ قال : إذا مر بهم الطير يشتهونه ، قالوا : سبحانك اللهم ]{[14077]} وذلك دعواهم فيأتيهم الملك بما يشتهونه ، فيسلم عليهم ، فيردون عليه . فذلك قوله : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ } قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }

وقال مقاتل بن حيان : إذا أراد أهل الجنة أن يدعوا بالطعام قال أحدهم : { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } قال : فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم صحفة من ذهب ، فيها طعام ليس في الأخرى ، قال : فيأكل منهن كلهن .

وقال سفيان الثوري : إذا أراد أحدهم أن يدعو بشيء قال : { سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ } وهذه الآية فيها شبه من قوله : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا } [ الأحزاب : 44 ] ، وقوله : { لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا } [ الواقعة : 25 ، 26 ] . وقوله : { سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } [ يس : 58 ] . وقوله : { وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ } [ الرعد : 23 ، 24 ] .

وقوله : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هذا فيه دلالة على أن الله تعالى هو المحمود أبدا ، المعبود على طول المدى ؛ ولهذا حمد نفسه عند ابتداء خلقه واستمراره ، وفي ابتداء كتابه ، وعند ابتداء تنزيله ، حيث يقول تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } [ الكهف : 1 ] ، { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ } [ الأنعام : 1 ] إلى غير ذلك من الأحوال التي يطول بسطها ، وأنه المحمود في الأول و[ في ]{[14078]} الآخر ، في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، في جميع الأحوال ؛ ولهذا جاء في الحديث : " إن أهل الجنة يُلْهَمُونَ التسبيح والتحميد كما يُلْهَمُونَ النَّفَس " {[14079]} وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم الله عليهم ، فتكرّر{[14080]} وتعاد وتزاد ، فليس لها انقضاء ولا أمد ، فلا إله إلا هو ولا رب سواه .


[14077]:- زيادة من ت ، أ.
[14078]:- زيادة من ت.
[14079]:- رواه مسلم في صحيحه برقم (2835) من حديث جابر رضي الله عنه.
[14080]:- في ت ، أ : "فيكرر".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

وأما قوله : دَعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللّهُمْ فإن معناه : دعاؤهم فيها سبحانك اللهمّ . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرت أن قوله : دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ قال : إذا مرّ بهم الطير فيشتهونه ، قالوا : سبحانك اللهمّ وذلك دعواهم ، فيأتيهم الملك بما اشتهوا ، فيسلم عليهم ، فيردّون عليه ، فذلك قوله : وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ . قال : فإذا أكلوا حمدوا الله ربهم ، فذلك قوله : وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ يقول : ذلك قولهم فيها وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبيد الله الأشجعي ، قال : سمعت سفيان يقول : دعْوَاهُمْ فِيها سُبْحانَك اللّهُمّ وتَحِيّتُهُمْ فِيها سَلامٌ قال : إذا أرادوا الشيء قالوا : اللهمّ فيأتيهم ما دعوا به .

وأما قوله : سُبْحانَكَ اللّهُمّ فإن معناه : تنزيها لك يا ربّ مما أضاف إليك أهل الشرك بك من الكذب عليك والفرية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن غير واحد عطية فيهم : سبحان الله تنزيه لله .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : سمعت موسى بن طلحة ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله ، قال : «إبْرَاءُ اللّهِ عَنِ السّوءِ » .

حدثنا أبو كريب وأبو السائب وخلاد بن أسلم ، قالوا : حدثنا ابن إدريس ، قال : حدثنا قابوس ، عن أبيه : أن ابن الكوّاء سأل عليّا رضي الله عنه عن «سبحان الله » قال : كلمة رضيها الله لنفسه .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان بن سعيد الثوري عن عثمان بن عبد الله بن موهب الطلحي ، عن موسى بن طلحة ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن سبحان الله ، فقال : «تَنْزِيها لِلّهِ عَنِ السّوءِ » .

حدثني عليّ بن عيسى البزار ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن حماد ، قال : ثني حفص بن سليمان ، قال : حدثنا طلحة بن يحيى بن طلحة ، عن أبيه ، عن طلحة بن عبيد الله ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله ، فقال : «هُوَ تَنْزِيهُ اللّهِ مِنْ كُلّ سُوءٍ » .

حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي ، قال : حدثنا سليمان بن أيوب ، قال : ثني أبي ، عن جدي ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، قال : قلت : يا رسول الله قول سبحان الله ؟ قال : «تَنْزِيهُ اللّهِ عَنِ السّوءِ » .

وتَحِيّتُهُمْ يقول : وتحية بعضهم بعضا فِيها سَلامٌ : أي سلمت وأمنت مما ابتلي به أهل النار . والعرب تسمى الملك التحية ومنه قول عمرو بن معديكرّب :

أزُورُ بها أبا قابُوسَ حتى *** أنِيخَ عَلى تَحِيّتِهِ بِجُنْدِي

ومنه قول زهير بن جناب الكلبي :

مِنْ كُلّ ما نالَ الفَتَى *** قَدْ نِلْتُهُ إلاّ التّحِيّهْ

وقوله : وآخِرُ دَعْوَاهُمْ يقول : وآخر دعائهم أن الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العالَمِينَ يقول : وآخر دعائهم أن يقولوا : الحمد لله ربّ العالمين ولذلك خففت «أن » ولم تشدّد ، لأنه أريد بها الحكاية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

{ دعواهم فيها } أي دعاؤهم . { سبحانك اللهم } اللهم إنا نسبحك تسبيحا . { وتحيّتهم } ما يحيي به بعضهم بعضا ، أو تحية اللائكة إياهم . { فيها سلام وآخر دعواهم } وآخر دعائهم . { أن الحمد لله رب العالمين } أي أن يقولوا ذلك ، ولعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ، ثم حياهم الملائكة بالسلامة عن الآفات والفوز بأصناف الكرامات أو الله تعال فحمدوه واثنوا عليه بصفات الإكرام ، و{ أن } هي المخففة من الثقيلة وقد قرئ بها وبنصب { الحمد } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{دَعۡوَىٰهُمۡ فِيهَا سُبۡحَٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمۡ فِيهَا سَلَٰمٞۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

وقوله { دعواهم } الآية ، الدعوى بمعنى الدعاء يقال دعا الرجل وادعى بمعنى واحد ، قاله سيبويه ، { وسبحانك اللهم } تقديس وتسبيح وتنزيه لجلاله عن كل ما لا يليق به ، وقال علي بن أبي طالب في ذلك : هي كلمات رضيها الله تعالى لنفسه ، وقال طلحة بن عبيد الله : قلت يا رسول الله ، ما معنى سبحان الله ؟ فقال : معناها تنزيه الله من السوء ، وقد تقدم ذكر خلاف النحاة في { اللهم } ، وحكي عن بعض المفسرين أنهم رأوا أن هذه الكلمة إنما يقولها المؤمن في الجنة عندما يشتهي الطعام فإنه إذا رأى طائراً أو غير ذلك قال : { سبحانك اللهم } فنزلت تلك الإرادة بين يديه فوق ما اشتهى{[6031]} ، رواه ابن جريج وسفيان بن عيينة ، وقوله { وتحيتهم فيها سلام } يريد تسليم بعضهم على بعض ، و «التحية » مأخوذة من تمني الحياة للإنسان والدعاء بها ، يقال حياه يحييه ، ومنه قول زهير بن جناب : [ مجزوء الكامل ]

من كل ما نال الفتى*** قد نلته إلا التحية{[6032]}

يريد دعاء الناس للملوك بالحياة ، وقد سمي الملك تحية بهذا التدريج ومنه قول عمرو بن معديكرب :

أزور أبا قابوس حتى*** أنيخ على تحيته بجندي{[6033]}

أراد علي مملكته وقال بعض العلماء { وتحيتهم } يريد أن تسليم الله عز وجل عليهم ، و «السلام » مأخوذ من السلامة ، وقوله { وآخر دعواهم } يريد وخاتمة دعواهم في كل موطن وكلامهم شكر الله تعالى وحمده على سابغ نعمه ، وكانت بدأتهم بالتنزيه والتعظيم ، وقرأ جمهور الناس «أن الحمد لله » وهي عند سيبويه «أن » المخففة من الثقيلة ، وقرأ ابن محيصن وبلال بن أبي بردة ويعقوب وأبو حيوة «أنّ الحمد لله » ، وهي على الوجهين رفع على خبر الابتداء ، قال أبو الفتح : هذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة هي أن المخففة من الثقيلة بمنزلة الأعشى : [ البسيط ]

في فتية كسيوف الهند قد علموا*** أنْ هالك كلُّ من يحفى وينتعل{[6034]}


[6031]:- أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: أُخبرت أن قوله: {سبحانك اللهم إذا مر بهم الطائر يشتهونه قالوا: سبحانك اللهم، ذلك دعاؤهم به، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فإذا جاء الملك بما يشتهونه فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله: {وتحيتهم فيها سلام}، فإذا أكلوا قدر حاجتهم قالوا: الحمد لله رب العالمين، فذلك قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (الدر المنثور).
[6032]:-رواية التاج: "ولكل ما" وكذلك في غيره من المراجع، يقول: لقد نلت كل ما يتمناه أمثالي ولم ينقصني إلا أن أكون ملكا ينحني لي الناس بالتحية، وزُهير كان سيدا وخطيبا وشاعرا وبطلا في قومه (قضاعة) ونال فعلا مكانة عالية وعمّر طويلا، وقيل: رأته ابنة له يوما يدبّ على عصاه فقالت لابن ابنها: خذ بيد جدك، فقال له: من أنت؟ فلما أجابه أنشأ يقول: أبنيّ إن أهلك فقد أورثتكم مجدا بنيّه وتركتكم أبناء سـا دات زنادكم وريّة ولكل ما نال الفتـى قد نلته إلا التحيه
[6033]:- عن اللسان: (قال أبو عمرو: التحية الملك، وأنشد قول عمرو بن معديكرب: "أسير به إلى النعمان حتى... البيت" يعني على ملكه، ويُروى: "أسير بها"، ويروى: "أؤم بها". وقال خالد بن يزيد: لو كانت التحية الملك لما قيل: التحيات لله).
[6034]:- الرواية في الديوان: في فتية كسيوف الهند قد علموا أن ليس يدفع عن ذي الحلية الحيل وهو أنسب للمعنى، أما الحديث عن الحفاء والانتعال ففي بيت آخر قبل هذا البيت بثلاثة أبيات، وفيه يقول الأعشى: إما ترينا حُفاة لا نعال لنا إنا كذلك مانحفى وننتعل والبيتان من قصيدته المشهورة التي مطلعها: ودّع هريرة إن الركب مُرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟