وقوله سبحانه : { دعواهم } [ يونس : 10 ] أي : دعاؤهم فيها و{ سبحانك اللهم } : تَقْدِيسٌ وتسبيحٌ وتنزيهٌ لجلاله سبحانه عن كلِّ ما لا يليق به . وقال علي بن أبي طالب في ذلك : هي كلماتٌ رَضِيَهَا اللَّه تعالى لنفْسه ، وقال طلحة بن عبيد اللَّه : ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّه ؛ مَا مَعْنَى سُبْحَانَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : مَعْنَاهَا : «تَنْزِيهاً للَّهِ مِنَ السُّوءِ ) ، وَحُكِيَ عن بعض المفسِّرين أَنهم رَوَوْا أَنَّ هذه الكلمةَ إِنَّما يقولها المؤمنُ عِنْدَ ما يشتهي الطَّعَام ، فإِنه إِذا رأَى طائِراً أَو غير ذلك ، قال : { سبحانك اللهم } ، فنزلتْ تلك الإِرادة بَيْنَ يديه فَوْقَ ما اشتهى . رواه ابنُ جُرَيْج وسفيانُ بن عُيَيْنة ، وعبارة الداوديِّ عن ابنِ جُرَيْج : «دَعْواهُمْ فيها » : قال : إِذا مَرَّ بهم الطائرُ يَشْتَهُونه ، كان دعواهم به { سبحانك اللهم } ، فيأكلون منه ما يَشْتَهُونَ ، ثم يطيرُ ، وإِذا جاءتهم الملائكةُ بما يَشْتَهُونَ ، سَلَّمُوا عَلَيْهم ، فذلك قولُهُ : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } ، وإِذا أَكلوا حاجتهم ، قالوا : { الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } ، فذلك قوله : { وَآخِرُ دعواهم أَنِ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } .
وقوله سبحانه : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } : يريدُ تسليمَ بعضهم على بعض ، والتحيَّة : مأخوذة مِنْ تَمَنِّي الحياةِ للإِنسان والدُّعاءِ بها ، يقالُ : حَيَّاهُ ويُحيِّيه ؛ ومنه قَوْلُ زُهَيْرِ بن جنَابٍ : [ الكامل ]
مِنْ كُلِّ مَا نَالَ الفَتَى *** قَدْ نِلْتُهُ إِلاَّ التَّحِيَّهْ
يريد : دعاء الناس للمُلُوكِ بالحياةِ ، وقال بعضُ العلماء : { وَتَحِيَّتُهُمْ } يريد : تسليم اللَّه تعالَى عليهم ، والسَّلام : مأخوذً من السَّلامة ، { وَآخِرُ دعواهم } : أي : خاتمةُ دعائهِم وكلامِهِمْ في كلِّ موطِنٍ حَمْدُ اللَّه وشُكْرُهُ ، عَلَى ما أسبغ عليهم من نعمه .
وقال ابن العربيِّ في «أحكامه » . في تفسير هذه الآية قولان :
الأول : أَنَّ المَلَكَ يأتيهم بما يشتهون ، فيقول : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، أي : سَلِمْتُم ، فَيَرُدُّون عليه ، فإِذا أكلوا ، قالوا : { الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } .
الثاني : أنَّ معنى «تَحِيَّتُهُمْ » : أي : تحيَّة بعضهم بعضاً ، فقد ثبت في الخبر : إن اللَّه تعالى خلق آدَمَ ، ثم قَالَ لَهُ : ( اذْهَبْ إِلى أُولَئِكَ النَّفَر مِنَ المَلاَئِكَةِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمْ ، فَقَالَ لَهُمْ : سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ : هَذِهِ تَحِيَّتُكَ ، وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتَكَ مِنْ بَعْدِكَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ) ، وبَيَّنَ في القرآن هاهنا أنها تحيتهم في الجنَّة ، فهي تحيَّة موضوعةٌ من أول الخلقة إلى غير نهاية .
وقد رَوَى ابنُ القاسِمُ ، عن مالكٍ في قوله تعالى : { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } أي : هذا السَّلام الذي بين أظهركم ، وهذا أظهر الأقوال ، واللَّه أعلم . انتهى .
وقرأ الجمهور : «أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ » ، وهي عند سَيْبَوَيْهِ «أن » المخفَّفَةُ من الثقيلة ؛ قال أبو الفتح : فهي بمنزلة قول الأعْشَى : [ البسيط ]
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا *** أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.