{ 1 - 8 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ }
يقول تعالى موبخًا عباده عن اشتغالهم عما خلقوا له من عبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته ، والإنابة إليه ، وتقديم محبته على كل شيء : { أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر في الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى{[1473]} .
1- سورة " التكاثر " من السور المكية ، وسميت في بعض المصاحف سورة " ألهاكم " ، وكان بعض الصحابة يسمونها " المَقبُرة " .
قال القرطبي : وهي مكية في قول المفسرين . وروى البخاري أنها مدنية ، وهي ثماني آيات .
وقد ذكروا في سبب نزولها روايات منها : ما روي عن ابن عباس أنها نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف ، وبني سهم ، تكاثروا بالسادة والأشراف في الإسلام ، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيدا ، وأعز نفرا . . فنزلت هذه السورة . . ( {[1]} ) .
2- ومن أغراض السورة الكريمة : النهي عن التفاخر والتكاثر ، والحض على التزود بالعمل الصالح ، وعلى ما ينجي من العذاب ، والتأكيد على أن يوم القيامة حق ، وعلى أن الحساب حق ، وعلى أن الجزاء حق . .
قوله - سبحانه - : { أَلْهَاكُمُ } من اللهو ، وهو الغفلة عن مواطن الخير ، والانشغال عما هو نافع .
والتكاثر : التباري والتباهي بالكثرة فى شيء مرغوب فيه كالمال والجاه .
أي : شغلكم - أيها الناس - التباهي والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة ، كما ألهاكم حب الدنيا عن القيام بما كلفناكم به .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ التّكّاثُرُ * حَتّىَ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنّ الْجَحِيمَ * ثُمّ لَتَرَوُنّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } .
** يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ } قال : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعدّ من بني فلان ، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً .
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال . ذكر الخبر بذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام الدّستَوائيّ ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ } قال : «ابنَ آدم ، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » .
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : حدثنا آدم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُنَاني ، عن أنس بن مالك ، عن أُبيّ بن كعب ، قال : كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن : «لو أن لابن آدم واديين من مالٍ ، لتمنى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوفَ ابنِ آدم إلا التّراب ، ثم يتوب الله على من تاب » ، حتى نزلت هذه السورة : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ } إلى آخرها .
وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته : «ألهاكُمُ » : ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبىء أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .
وهي مكية ، لا أعلم فيها خلافا{[1]} .
«ألهى » معناه : شغل بلذاته ، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء ، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح : «أألهاكم » على الاستفهام ، و { التكاثر } هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة ، وهذا هجيرى{[11961]} أبناء الدنيا : العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون ، وقد قال الأعشى : [ السريع ]
ولست بالأكثر منهم حصى . . . وإنما العزة للكاثر{[11962]}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت{[11963]} »
قال الآلوسي أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن أبي هلال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها { المقبرة } اه .
وسميت في معظم المصاحف ومعظم التفاسير { سورة التكاثر } وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وهي كذلك معنونة في بعض المصاحف العتيقة بالقيروان .
وسميت في بعض المصاحف { سورة ألهاكم } وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه .
وهي مكية عند الجمهور قال ابن عطية : هي مكية لا أعلم فيها خلافا .
وعن ابن عباس والكلبي ومقاتل : إنها نزلت في مفاخرة جرت بين بني عبد مناف وبني سهم في الإسلام كما يأتي قريبا وكانوا من بطون قريش بمكة ولأن قبور أسلافهم بمكة .
وفي الإتقان : المختار : أنها مدنية . قال : ويدل له ما أخرجه ابن أبي حاتم أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخروا ، وما أخرجه البخاري عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب . قال أبي : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت { ألهكم التكاثر } اه . يريد المستدل بهذا أن أبيا أنصاري وأن ظاهر قوله : حتى نزلت { ألهاكم التكاثر } ، أنها نزلت بعد أن كانوا يعدون لو أن لابن آدم واديا من ذهب الخ من القرآن وليس في كلام أبي دليل ناهض إذ يجوز أن يريد بضمير كنا المسلمين ، أي كان من سبق منهم يعد ذلك من القرآن حتى نزلت سورة التكاثر وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كانوا يقولونه ليس بقرآن .
والذي يظهر من معاني السورة وغلظة وعيدها أنها مكية وأن المخاطب بها فريق من المشركين لأن ما ذكر فيها لا يليق بالمسلمين أيامئذ .
وسبب نزولها فيما قال الواحدي والبغوي عن مقاتل والكلبي والقرطبي عنهما وعن ابن عباس : أن بني عبد مناف وبني سهم من قريش تفاخروا فتعادوا السادة والأشراف من أيهم أكثر عددا فكثر بنو عبد مناف بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بريدة الجرمي قال : نزلت في قبيلتين من الأنصار بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا بالأحياء ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ، تشير إلى القبر . ومثل فلان ، وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله { ألهاكم التكاثر } .
وقد عدت السادسة عشرة في ترتيب نزول السور ، ونزلت بعد سورة الكوثر وقبل سورة الماعون بناء على أنها مكية .
اشتملت على التوبيخ على اللهو عن النظر في دلائل القرآن ودعوة الإسلام بإيثار المال والتكاثر به والتفاخر بالأسلاف وعدم الإقلاع عن ذلك إلى أن يصيروا في القبور كما صار من كان قبلهم وعلى الوعيد على ذلك .
{ ألهاكم } أي شغلكم عما يجب عليكم الاشتغالُ به لأن اللهو شغل يصرف عن تحصيل أمرٍ مهم .
و { التكاثر } : تفاعل في الكثْر أي التباري في الإِكثار من شيء مرغوب في كثرته . فمنه تكاثر في الأموال ، ومنه تكاثر في العَدد من الأولاد والأحلاف للاعتزاز بهم . وقد فسرت الآية بهما قال تعالى : { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين } [ سبأ : 35 ] .
ولستَ بالأكْثر منهم حَصًى *** وإنما العِزة للكَاثر
روى مسلم عن عبد الله بن الشِّخِّير قال : « انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : { ألهاكم التكاثر } قال : يقول ابنُ آدم مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلتَ فأفنَيْت أو لَبست فَأَبْلَيْت أو تصدقت فأمضَيْت » فهذا جارٍ مجرى التفسير لمعنى من معاني التكاثر اقتضاه حال الموعظة ساعتئذ وتحتمله الآية .
والخطاب للمشركين بقرينة غلظة الوعيد بقوله : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون } وقوله : { لترون الجحيم } [ التكاثر : 6 ] إلى آخر السورة ، ولأن هذا ليس من خُلق المسلمين يومئذ .
والمراد بالخطاب : سادتُهم وأهلُ الثراء منهم لقوله : { ثم لتسئلن يومئذٍ عن النعيم } [ التكاثر : 8 ] ، ولأن سادة المشركين هم الذين آثاروا ما هم فيه من النعمة على التهمّم بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتصدَّوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإِصغاء له . فلم يُذكَر المُلْهَى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه ، والإِنصاف بتصديقه . وهذا الإِلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي .
وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله ، وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يُلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ، ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لاهون عن الخير ، قال تعالى يخاطب المؤمنين : { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته } [ الحديد : 20 ] الآية .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وهي مكية ، لا أعلم فيها خلافا.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وهي مكية في قول جميع المفسرين ، وروى البخاري أنها مدنية .
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
وكان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما أخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن أبي هلال يسمونها المقبرة، وهي مكية، قال أبو حيان عند جميع المفسرين، وقال الجلال السيوطي على الأشهر، ويدل لكونها مدنية -وهو المختار- ما أخرجه ابن أبي حاتم عن أبي بريدة فيها قال نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحرث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان وفلان، وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا انطلقوا بنا الى القبور، فجعلت إحدى الطائفتين تقول فيكم مثل فلان تشير، الى القبر، ومثل فلان، وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله تعالى "ألهاكم التكاثر..." الخ. وأخرج البخاري وابن جرير عن أبي ابن كعب قال كنا نرى هذا من القرآن (لو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ثم يتوب الله على من تاب) حتى نزلت ألهاكم التكاثر. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه مازلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت ألهاكم التكاثر، وعذاب القبر لم يذكر إلا في المدينة كما في الصحيح في قصة اليهودية. انتهى ولقوة الأدلة على مدنيتها قال بعض الأجلة إنه الحق...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير ، قائم على شرف عال . يمد بصوته ويدوي بنبرته . يصيح بنوم غافلين مخمورين سادرين ، أشرفوا على الهاوية وعيونهم مغمضة ، وحسهم مسحور . فهو يمد بصوته إلى أعلى وأبعد ما يبلغ :
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
سميت في معظم المصاحف ومعظم التفاسير سورة التكاثر وكذلك عنونها الترمذي في جامعه وهي كذلك معنونة في بعض المصاحف العتيقة بالقيروان .
وسميت في بعض المصاحف سورة ألهاكم، وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه .
وهي مكية عند الجمهور قال ابن عطية : هي مكية لا أعلم فيها خلافا .
وعن ابن عباس والكلبي ومقاتل : إنها نزلت في مفاخرة جرت بين بني عبد مناف وبني سهم في الإسلام كما يأتي قريبا وكانوا من بطون قريش بمكة ولأن قبور أسلافهم بمكة .
وفي الإتقان : المختار : أنها مدنية . قال : ويدل له ما أخرجه ابن أبي حاتم أنها نزلت في قبيلتين من الأنصار تفاخروا ، وما أخرجه البخاري عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب . قال أبي : كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت { ألهكم التكاثر } اه . يريد المستدل بهذا أن أبيا أنصاري وأن ظاهر قوله : حتى نزلت { ألهاكم التكاثر } ، أنها نزلت بعد أن كانوا يعدون لو أن لابن آدم واديا من ذهب الخ من القرآن وليس في كلام أبي دليل ناهض إذ يجوز أن يريد بضمير كنا المسلمين ، أي كان من سبق منهم يعد ذلك من القرآن حتى نزلت سورة التكاثر وبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كانوا يقولونه ليس بقرآن .
والذي يظهر من معاني السورة وغلظة وعيدها أنها مكية وأن المخاطب بها فريق من المشركين لأن ما ذكر فيها لا يليق بالمسلمين أيامئذ .
وسبب نزولها فيما قال الواحدي والبغوي عن مقاتل والكلبي والقرطبي عنهما وعن ابن عباس : أن بني عبد مناف وبني سهم من قريش تفاخروا فتعادوا السادة والأشراف من أيهم أكثر عددا فكثر بنو عبد مناف بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية .
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بريدة الجرمي قال : نزلت في قبيلتين من الأنصار بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا بالأحياء ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان ، تشير إلى القبر . ومثل فلان ، وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله { ألهاكم التكاثر } ...
اشتملت على التوبيخ على اللهو عن النظر في دلائل القرآن ودعوة الإسلام بإيثار المال والتكاثر به والتفاخر بالأسلاف وعدم الإقلاع عن ذلك إلى أن يصيروا في القبور كما صار من كان قبلهم وعلى الوعيد على ذلك .
وحثهم على التدبير فيما ينجيهم من الجحيم .
وأنهم مبعوثون ومسؤولون عن إهمال شكر المنعم العظيم .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
في السورة تنديد بالمستغرقين في الدنيا ومالها ونعيمها ، وإنذار لهم بالآخرة ، وهي عامة العرض والتوجيه ، وقد روي أنها مدنية . وأسلوبها ومضمونها يحمل على الشك في ذلك ، وقد سلكتها التراتيب المروية في سلك السور المكية . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذه السّورة تتناول في مجموعها تفاخر الأفراد على بعضهم استناداً إلى مسائل موهومة ، وتذم ذلك وتلوم عليه ، ثمّ تحذرهم من حساب المعاد وعذاب جهنم ، وممّا سيسألون يوم ذاك عن النعم التي منّ اللّه بها عليهم . اسم السّورة مستل من الآية الأولى فيها . ...
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ ألهاكم التكاثر } يعني شغلكم التكاثر ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم ، وعما ينجيكم من سخطه عليكم ... عن قتادة { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حتى زُرْتُمُ المَقابِرَ } قال : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعدّ من بني فلان ، وهم كلّ يوم يتساقطون إلى آخرهم ، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم ...
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كلام يدلّ على أن معناه التكاثر بالمال... حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن هشام الدّستَوائيّ ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير ، عن أبيه أنه انتهى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وهو يقرأ : { ألهَاكُمُ التّكاثُرُ حَتّى زُرْتُمُ المَقابرَ } قال : «ابنَ آدم ، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » ...
وقوله صلى الله عليه وسلم بعَقِب قراءته : «ألهاكُمُ » : ليس لك من مالك إلا كذا وكذا ، ينبئ أن معنى ذلك عنده : ألهاكم التكاثر : المال .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي شغلكم التفاخر بالتكاثر . ثم لم يقل عمّاذا شغلهم . فيجوز أن يكون { ألهاكم } أي شغلكم { التكاثر } عن توحيد الله تعالى ، أو عن التفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن ذكر البعث . ثم قوله تعالى : { ألهاكم التكاثر } { حتى زرتم المقابر } يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون الغرض من الخطاب بهذه الآية آباءهم وسلفهم الذين تقدموا بالأخبار عن قبح صنيعهم ، واشتغالهم بالسفه ، فيكون هذا صلة آيات أخر نحو قوله تعالى : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم ( مهتدون ) } وقوله : { مقتدون } ( الزخرف : 22و23 ) وغير ذلك ، فكأن الله تعالى يخبرهم بآبائهم ، وينهاهم عن الاقتداء بآبائهم ؛ لأنهم تعاطوا أفعالا تخرج عن الحكمة حتى ماتوا . وذلك يقع من وجهين؛
أحدهما : أن من أنعم الله عليه نعمة فجحدها ، ولم يؤد شكرها ، استوجب المقت والعقوبة ، يقول : كيف تقتدون بآبائكم ، وإنهم كفروا بنعمة الله ، وجحدوا بها ؛ بل الواجب عليكم أن تتبعوا النبي الذي جاء هدى ، لا ما وجدتم عليه آباءكم . والثاني : أن يكون فيه علامة دلالة البعث أن آباءهم لما فعلوا ما يستوجب به المقت والعقوبة ، وماتوا من غير أن يصيبهم ذلك في دنياهم ، وأن لهم دارا أخرى يعاقبون فيها بما فعلوا . وإن كان الخطاب إذا انصرف إليهم ففيه إخبارهم عن سفههم أنه شغلهم التفاخر بالتكاثر حتى جحدوا آيات رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون فيه إخبار عن سفههم من وجه آخر ، وهو أن الافتخار كيف وقع بالأموات ، والتفاخر بالأموات غير مستقيم.
أو أن يكون فيه وجه ثالث : إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه ؛ لأنهم إنما افتخروا بالأموال والأولاد ، وذلك من لطف الله تعالى وجميل صنعه ، فيكون في هذا كله ذكر لهم بما هم فيه من السفه والخرف .
ثم التعبير بذكر هذه الأسباب إنما وقع ، والله أعلم ، دون ما هم فيه من الكفر ؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال ، فعيرهم الله تعالى بذلك ليكون فيه تذكرة وموعظة للمؤمنين . لو خرج ذكر الكفار من هذا لكان لا يجتنب المؤمن شيئا من هذه الأفعال . وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { ألهاكم التكاثر } فقال : " يقول ابن آدم : مالي مالي ، ومالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت " ( مسلم 2958 ) . فهذا على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح بأهل الكفر لموعظة المسلمين ، والله أعلم . ...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
...............................................................
الثاني : أنساكم ، ومعناه ألهاكم عن طاعة ربكم ، وشغلكم عن عبادة خالقكم .
وفي { التكاثر } ثلاثة أقاويل :
أحدها : التكاثر بالمال والأولاد ، قاله الحسن .
الثاني : التفاخر بالعشائر والقبائل ، قاله قتادة .
الثالث : التشاغل بالمعاش والتجارة ، قاله الضحاك . ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
فالإلهاء: الصرف إلى اللهو ، واللهو: الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى ....والتكاثر: التفاخر بكثرة المناقب ...والمتفاخر متكبر ؛ لأنه تطاول بغير حق . فالتكاثر: التباهي بكثرة المال والعدد .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ألهاه عن كذا وأقهاه : إذا شغله . و { التكاثر } التباري في الكثرة والتباهي بها ، وأن يقول هؤلاء : نحن أكثر ، وهؤلاء : نحن أكثر ....والمعنى : أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات ، عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكماً بهم . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
«ألهى » معناه : شغل بلذاته ، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء ، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر ، وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح : «أألهاكم » على الاستفهام ، و { التكاثر } هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد ....
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى : شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها ، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر ، وصرتم من أهلها ؟ ! ....
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ألهكم } أي أغفلكم - إلا النادر منكم - غفلة عظيمة عن الموت الذي هو وحده كاف في البعث على الزهد ، فكيف بما بعده { التكاثر } وهو المباهاة والمفاخرة بكثرة الأعراض الفانية من متاع الدنيا : المال والجاه والبنين ونحوها مما هو شاغل عن الله ....
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{ أَلْهَاكُمُ } عن ذلك المذكور { التَّكَاثُرُ } ، ولم يذكر المتكاثر به ، ليشمل ذلك كل ما يتكاثر به المتكاثرون ، ويفتخر به المفتخرون ، من التكاثر في الأموال ، والأولاد ، والأنصار ، والجنود ، والخدم ، والجاه ، وغير ذلك مما يقصد منه مكاثرة كل واحد للآخر ، وليس المقصود به الإخلاص لله تعالى . ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمراد بالخطاب : سادتُهم وأهلُ الثراء منهم ....ولأن سادة المشركين هم الذين آثاروا ما هم فيه من النعمة على التهمّم بتلقي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فتصدَّوا لتكذيبه وإغراء الدهماء بعدم الإِصغاء له . فلم يُذكَر المُلْهَى عنه لظهور أنه القرآن والتدبر فيه ، والإِنصاف بتصديقه . وهذا الإِلهاء حصل منهم وتحقق كما دل عليه حكايته بالفعل الماضي . وإذا كان الخطاب للمشركين فلأن المسلمين يعلمون أن التلبس بشيء من هذا الخلق مذموم عند الله ، وأنه من خصال أهل الشرك فيعلمون أنهم محذرون من التلبس بشيء من ذلك فيحذرون من أن يُلهيهم حب المال عن شيء من فعل الخير ، ويتوقعون أن يفاجئهم الموت وهم لاهون عن الخير ، ...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
ولم يذكر هنا في أي شيء كانت المكاثرة التي ألهتهم . قال ابن القيم : ترك ذكره ، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به ، وإما إرادة الإطلاق . ا ه . ويعني رحمه الله بالأول : ذم الهلع ، والنهم . وبالثاني : ليعم كل ما هو صالح للتكاثر به ، مال وولد وجاه ، وبناء وغراس ..... وقد جاءت نصوص من كتاب الله تدل على أن التكاثر الذي ألهاهم ، والذي ذمَّهم الله بسببه ، أو حذَّرهم منه ، إنما هو في الجميع ....
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وهذه السورة يدور الحديث فيها عن استغراق الغافلين ، في شؤونهم المادية ، ومصالحهم الشخصية ، حتى يدركهم الأجل ، وهم لم يتزودوا لآخرتهم بأي زاد من العمل الصالح ....{ ألهاكم التكاثر1 } ، أي : ألهاكم الانهماك في التفاخر والتكاثر من الأموال والأولاد عن طاعة الله ، وأداء حقوقه وحقوق خلقه ، { حتى زرتم المقابر2 } ، أي : حتى أتاكم الموت ودفنتم في القبور ، دون أن تقدموا بين أيديكم ما ينفعكم عند الله . والتعبير هنا بلفظ " زرتم المقابر " دون التعبير مثلا ب(سكنتم المقابر) فيه إشارة واضحة إلى أن إقامة الإنسان في قبره بعد الموت إنما هي مجرد إقامة مؤقتة ، شبيهة بالزيارة أياما معدودة ، لا سكنى مستمرة ، أما منزله الذي سيسكنه وسيستقر فيه فهو إما الجنة وإما النار .