اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

مكية في قول الجميع ، وروى البخاري أنها مدنية{[1]} ، وهي ثماني آيات .

قوله تعالى : { أَلْهَاكُمُ التكاثر } ، «ألْهَاكُم » : شغلكم ؛ قال امرؤُ القيسِ : [ الطويل ]

5295- . . . *** فألْهَيْتُهَا عَنْ ذِي تَمَائِمَ مُحْولِ{[60765]}

أي : شغلكم المباهاة ، بكثرة المال والعدد عن طاعة الله ، حتَّى متم ودفنتم في المقابر .

قال ابن عباس والحسن : «ألْهَاكُم » : أنساكم ، «التَّكاثرُ » ، أي : من الأموال ، والأولاد{[60766]} ، قاله ابن عباسٍ والحسنُ وقتادةُ ، أي : التَّفاخر بالقبائل والعشائر ، وقال الضحاك : ألهاكم التشاغل بالمعاش والتجارة ، يقال : لهيت عن كذا - بالكسر - ألهى لهياً ، ولهياناً : إذا سلوت عنه ، وتركت ذكره ، وأضربت عنه ، وألهاه : أي : شغله ، ولهاه به تلهيه : أي : تملله ، والتكاثر : المكاثرة ، قال قتادةُ ومقاتل وغيرهما : نزلت في اليهود حين قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان ، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً .

وقال ابن زيد : نزلت في فخذ من الأنصار .

وقال ابن عباسٍ : ومقاتل ، والكلبي : نزلت في حيين من قريش : بني عبد مناف ، وبني سهم ، تعادوا وتكاثروا بالسادة ، والأشراف في الإسلام ، فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيداً ، وأعز عزيزاً ، وأعظم نفراً ، وأكثر عائذاً ، فكثر بنو عبد مناف سهماً ، ثم تكاثروا بالأموات ، فكثرتهم سهم ، فنزلت : { أَلْهَاكُمُ التكاثر } بأحيائكم فلم ترضوا { حتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ } مفتخرين بالأموات{[60767]} .

وعن عمرو بن دينار : حلف أن هذه السورة نزلت في التجار .

وعن شيبان عن قتادة ، قال : نزلت في أهل الكتاب{[60768]} .

قال القرطبي{[60769]} : «والآية تعمّ جميع ما ذكر وغيره » .

وروى ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ أنَّ لابْنِ آدَمَ وادِياً مِنْ ذَهَبٍ ، لأحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وادِيانِ ، ولنْ يَمْلأ فَاهُ إلاَّ التُّرابُ ، ويتُوبُ اللهُ على مَنْ تَابَ » ، رواه البخاري{[60770]} .

قال ثابت عن أنس عن أبيّ : كنا نرى هذا من القرآن ، حتى نزلت : { أَلْهَاكُمُ التكاثر }{[60771]} . رواه البخاري .

قال ابن العربي : وهذا نصٌّ صريح غاب عن أهل التفسير ، [ فجهلوا وجهَّلوا ، والحمد لله على المعرفة ]{[60772]} .

وقرأ{[60773]} ابن عباس : «أألهاكم » على استفهام التقرير والإنكار ، ونقل في هذا المد مع التسهيل ، ونقل فيه بتحقيق الهمزتين من غير مد .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[60765]:عجز بيت وصدره: *** فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع *** ينظر: ديوانه (12)، والأزهية ص 244، والجنى الداني ص 75، وجواهر الأدب ص 63، وخزانة الأدب 1/334، والدرر 4/193، وشرح أبيات سيبويه 1/450، وشرح شذور الذهب ص 416، وشرح شواهد المغني 1/402، 463، والكتاب 2/163، ولسان العرب 8/126، 127، (رضع)، 11/511 (غيل)، والمقاصد النحوية 3/336، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/73، ورصف المباني ص 387، وشرح الأشموني 2/299، وشرح ابن عقيل ص 372، ومغني اللبيب 1/136، 161، وهمع الهوامع 2/36، والقرطبي 30/115.
[60766]:ذكره البخاري (8/600)، تعليقا عن ابن عباس وقال الحافظ في "الفتح" (8/600)، وصله ابن المنذر من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدرالمنثور" (6/659)، وعزاه إلى ابن المنذر.
[60767]:ينظر تفسير القرطبي (20/115)، والرازي (32/73).
[60768]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/659)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[60769]:الجامع لأحكام القرآن 20/115.
[60770]:تقدم تخريجه من حديث ابن عباس وأنس.
[60771]:أخرجه البخاري (8/258)، كتاب الرقاق: باب ما يتقى من فتنة المال حديث (6440).
[60772]:سقط من: أ.
[60773]:ينظر: المحرر الوجيز 5/518، والبحر المحيط 8/506، والدر المصون 6/565.