( سورة التكاثر مكية ، وآياتها 8 آيات ، نزلت بعد سورة الكوثر )
أخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي بريدة قال : نزلت : ألهاكم التكاثر . في قبيلتين من الأنصار ، وهما : بنو حارثة ، وبنو الحرث ، تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : أفيكم مثل فلان وفلان ؟ وقالت الأخرى مثل ذلك . تفاخروا بالأحياء ، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور ، فجعلت إحدى الطائفتين تقول : أفيكم مثل فلان وفلان ؟ وتشير إلى القبر ، ومثل فلان ، وفعل الآخرون مثل ذلك ، فأنزل الله هذه السورة .
هذه السورة صيحة بالقلب البشري الغارق في التفاخر والتكاثر بالدنيا ومظاهرها ، وتنبيه له إلى أن ما تفاخر به إلى زوال ، وأن الدنيا قصيرة ، وأن الغاية إلى حفرة ضيقة ، وهناك ترى الحقيقة الباقية ، واليقين المؤكد ، وتسأل عن هذه الألوان المتنوعة من الملذات ، وعن سائر ألوان النعيم ، عن الشباب والمال والجاه والصحة والعافية ، ماذا عملت بها ؟
( وروي : يسأل عن التنعم الذي شغله الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه ، وعن الحسن : يسأل عما زاد عن كنّ يؤويه ، وثوب يواريه ، وكسرة تقوّيه )i .
1 ، 2- ألهاكم التكاثر* حتى زرتم المقابر . أيها السادرون الغافلون ، أيها اللاهون المتكاثرون بالأموال والأولاد وأعراض الحياة ، وأنتم مفارقون ، أيها المخدوعون بما أنتم فيه عما يليه . أيها التاركون ما تتكاثرون به وتتفاخرون إلى حفرة ضيقة لا تكاثر فيها ولا تفاخر ، استيقظوا وانظروا . . فقد شغلكم حب الكثرة والفخر حتى هلكتم ، وصرتم من الموتى ، ورأيتم الحساب والجزاء .
وفي صحيح مسلم ، عن مطرف ، عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر . قال : ( يقول ابن آدم : مالي ، ومالك ، يا ابن آدم ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ، وما سوى ذلك فذاهب وتركه للناس ) . ii .
3 ، 4- كلاّ سوف تعلمون* ثم كلاّ سوف تعلمون .
أي : ازدجروا عن مثل هذا التكاثر والتفاخر ، والجأوا إلى التناصر على الحق ، والتكاتف على أعمال البر ، والتضافر على ما فيه حياة الأفراد والجماعات ، من تقويم الأخلاق ، والتعاون على الخير والمعروف ، وإنكم سوف تعلمون سوء مغبة ما أنتم عليه .
ثم كلاّ سوف تعلمون . وهو تكرير للوعيد لتأكيد الزجر والتوبيخ ، كما يقول الإنسان لآخر : أقول لك لا تفعل ، ثم أقول لك لا تفعل .
5- كلاّ لو تعلمون علم اليقين . أي : ارتدعوا عن تغريركم بأنفسكم ، فإنكم لو تعلمون عاقبة أمركم لشغلكم ذلك عن التكاثر ، وصرفكم إلى صالح الأعمال ، وأن ما تدّعونه علما ليس في الحقيقة بعلم ، وإنما وهم وظن ، لا يلبث أن يتغير لأنه لا يطابق الواقع ، والجدير أن يسمى علما هو علم اليقين المطابق للواقع ، بناء على العيان والحس ، أو الدليل الصحيح الذي يؤيده العقل ، أو النقل الصحيح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم .
6- لترونّ الجحيم . ولا شك في رؤيتها ، والمراد برؤية الجحيم : ذوق عذابها ، ثم أكد هذا المضمون بقوله :
7- ثم لترونّها عين اليقين . أي : لترونها رؤية هي اليقين بنفسه ، مهما كانت نسبتكم أو مجدكم ، فلن ينجيكم منها سوى أعمالكم .
8- ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم . لتسألن عنه : من أين نلتموه ؟ وفيم أنفقتموه ؟ أمن طاعة وفي طاعة ؟ أم من معصية وفي معصية ؟ أمن حلال وفي حلال ؟ أم من حرام وفي حرام ؟ هل شكرتم ؟ هل أديتم حق النعيم ؟ هل شاركتم الفقير والمسكين ؟ هل استأثرتم وبخلتم ومنعتم صاحب الحق حقه ؟
لتسألن عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهوعبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ، ولكن وراءه ما وراءه من همّ ثقيل .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أصبح آمنا في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) . iii .
1- ذم الانشغال بمظاهر الحياة .
2- التذكير بالموت والقبر والحساب .
3- زجر الغافلين والعابثين ، وتذكيرهم بيوم الدين .
4- لن ينقذهم من النار جاه ولا سلطان ، ولن ينفعهم سوى العمل الصالح .
{ ألهاكم التكاثر 1 حتى زرتم المقابر 2 كلاّ سوف تعلمون 3 ثم كلاّ سوف تعلمون 4 كلاّ لو تعلمون علم اليقين 5 لترونّ الجحيم 6 ثم لترونّها عين اليقين 7 ثم لتسألن يومئذ عن النعيم 8 }
التكاثر : التباهي والتفاخر بالكثرة في الأموال والأولاد والأهل والعشيرة .
زرتم المقابر : صرتم إليها ودفنتم فيها .
1 ، 2- ألهاكم التكاثر* حتى زرتم .
شغلكم طلب الكثير من المال والجاه والسلطان ، رغبة في كثرة ما تملكون ، لتكونوا أكثر مالا أو متاعا من أندادكم ونظرائكم ، ولم تلتفتوا إلى عين الحقيقة ، وهي أن المال الحقيقي هو الذي ينفقه الإنسان في سبيل الله ، وأن الفضل الحقيقي هو عمل الخير والمعروف ابتغاء وجه الله ، لأن ذلك هو الذي ينفعك في قبرك ، ويعلي درجتك في الآخرة .
حتى ذهبتم إلى المقابر ودفنتم فيها ، ولم تجدوا أثرا لتكاثر الدنيا ، والتشبّع بأموالها .
وفي قوله : حتى زرتم المقابر . إشارة لطيفة إلى أن بيت الإقامة الدائمة هو الجنة أو النار ، أما الزائر فإنه ينتقل عن بيت الزيارة ، فالقبر مدفن مؤقّت ، والدار الآخرة هي الحياة الدائمة .
وقيل : إن الآية تحتمل معنى آخر ، هو : شغلكم التفاخر والتكاثر بالأحياء حتى زرتم المقابر لتفتخروا بمن مات منكم من عظماء الدنيا على القبائل الأخرى .
أو المعنى : بنيتم مقابر مشيّدة تفاخرا بها ، كما قال الشاعر :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.