التفسير : لما ذكر القارعة وأهوالها قال { ألهاكم } أي شغلكم التكاثر وهو المغالبة بالكثرة ، أو تكلف الافتخار بها مالاً وجاهاً عن التدبر في أمر المعاد ، فنسيتم القبر حتى زرتموه . ويروى أن بني عبد منافٍ وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عدداً ، فكثرهم ، أي غلبهم بالكثرة بنو عبد مناف ، فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية ، فعادونا بالأحياء والأموات ، أي عدوا مجموع أحيائنا وأمواتنا مع مجموع أحيائكم وأمواتكم ، ففعلوا فزاد بنو سهم ، فنزلت الآية .
وهذه الرواية شديدة الطباق لظاهر الآية لقوله { زرتم } بصيغة الماضي ، وفيه تعجب من حالهم أنهم زاروا القبور في معرض المفاخرة والاستغراق في حب ما لا طائل تحته من التباهي بالكثرة والتباري فيها ، مع أن زيارة القبور مظنة ترقيق القلب وإزالة القساوة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي فزوروها ، فإن في زيارتها تذكرة " ، من هنا قال بعضهم : أراد الحرص على المال قد شغلكم عن الدين ، فلا تلتفتون إليه إلا إذا زرتم المقابر ، فحينئذ ترق قلوبكم ، يعني أن حظكم من دينكم ليس إلا هذا القدر ، ونظيره قوله { قليلاً ما تشكرون } [ الملك :23 ] أي لا أقنع منكم بهذا القدر من الشكر . وقيل : معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك ، ويندرج فيه من يمنع الحقوق المالية إلى حين الموت ، ثم يقول : أوصيت لفلان بكذا ، ولفلان بكذا ، واستدلوا عليهم بما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا ابن آدم تقول : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " ، ثم قرأ { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } " ، أي حتى متم . وأورد عليه أن الزائر هو الذي يجيء ساعة ثم ينصرف . والميت يبقى في قبره مدة مديدة . وأيضاً إن قوله { زرتم } صيغة الماضي ، فكيف يحمل على المستقبل ؟ ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مدة اللبث في القبر بالنسبة إلى الأبد أقل من لحظة كما قال { كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } [ الكهف :19 ] ، وعن الثاني بأن المشرف على الموت كأنه على شفير القبر ، أو هو خبر عمن تقدمهم ، والخبر عنهم كالخبر عن متأخريهم ؛ لأنهم كانوا على طريقتهم . وقال أبو مسلم : إنه تعالى يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييراً للكفار ، وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور . والمقابر جمع المقبرة فتحاً أو ضماً ، والتاء فيه غير قياسي .
قالت العلماء : التكاثر مطلقاً ليس بمذموم ؛ لأن التكاثر في العلم والطاعة والأخلاق الحميدة ليس بمذموم إذا كان المراد أن يقتدى به غيره ، كما مر في قوله { وأما بنعمة ربك فحدث }
[ الضحى :11 ] ، وإنما المذموم ما يكون الباعث عليه الاستكبار وحب الجاه والغلبة والفخر بما لا سعادة حقيقة فيه ، وليست السعادة الحقيقية إلا فيما يرجع إلى العلم والعمل ، أو إلى ما يعين عليهما من الأمور الخارجية . عن الحسن رضي الله عنه : لا تغرنك كثرة من ترى حولك ، فإنك تموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتحاسب وحدك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.