غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ} (1)

مقدمة السورة:

( سورة التكاثر مكية ، حروفها مائة واثنان وخمسون ، كلمها ست وثلاثون ، آياتها ثمان ) .

1

التفسير : لما ذكر القارعة وأهوالها قال { ألهاكم } أي شغلكم التكاثر وهو المغالبة بالكثرة ، أو تكلف الافتخار بها مالاً وجاهاً عن التدبر في أمر المعاد ، فنسيتم القبر حتى زرتموه . ويروى أن بني عبد منافٍ وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عدداً ، فكثرهم ، أي غلبهم بالكثرة بنو عبد مناف ، فقالت بنو سهم : إن البغي أهلكنا في الجاهلية ، فعادونا بالأحياء والأموات ، أي عدوا مجموع أحيائنا وأمواتنا مع مجموع أحيائكم وأمواتكم ، ففعلوا فزاد بنو سهم ، فنزلت الآية .

وهذه الرواية شديدة الطباق لظاهر الآية لقوله { زرتم } بصيغة الماضي ، وفيه تعجب من حالهم أنهم زاروا القبور في معرض المفاخرة والاستغراق في حب ما لا طائل تحته من التباهي بالكثرة والتباري فيها ، مع أن زيارة القبور مظنة ترقيق القلب وإزالة القساوة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ثم بدا لي فزوروها ، فإن في زيارتها تذكرة " ، من هنا قال بعضهم : أراد الحرص على المال قد شغلكم عن الدين ، فلا تلتفتون إليه إلا إذا زرتم المقابر ، فحينئذ ترق قلوبكم ، يعني أن حظكم من دينكم ليس إلا هذا القدر ، ونظيره قوله { قليلاً ما تشكرون } [ الملك :23 ] أي لا أقنع منكم بهذا القدر من الشكر . وقيل : معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت وأنتم على ذلك ، ويندرج فيه من يمنع الحقوق المالية إلى حين الموت ، ثم يقول : أوصيت لفلان بكذا ، ولفلان بكذا ، واستدلوا عليهم بما روى مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا ابن آدم تقول : مالي مالي ، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " ، ثم قرأ { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر } " ، أي حتى متم . وأورد عليه أن الزائر هو الذي يجيء ساعة ثم ينصرف . والميت يبقى في قبره مدة مديدة . وأيضاً إن قوله { زرتم } صيغة الماضي ، فكيف يحمل على المستقبل ؟ ويمكن أن يجاب عن الأول بأن مدة اللبث في القبر بالنسبة إلى الأبد أقل من لحظة كما قال { كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } [ الكهف :19 ] ، وعن الثاني بأن المشرف على الموت كأنه على شفير القبر ، أو هو خبر عمن تقدمهم ، والخبر عنهم كالخبر عن متأخريهم ؛ لأنهم كانوا على طريقتهم . وقال أبو مسلم : إنه تعالى يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييراً للكفار ، وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور . والمقابر جمع المقبرة فتحاً أو ضماً ، والتاء فيه غير قياسي .

قالت العلماء : التكاثر مطلقاً ليس بمذموم ؛ لأن التكاثر في العلم والطاعة والأخلاق الحميدة ليس بمذموم إذا كان المراد أن يقتدى به غيره ، كما مر في قوله { وأما بنعمة ربك فحدث }

[ الضحى :11 ] ، وإنما المذموم ما يكون الباعث عليه الاستكبار وحب الجاه والغلبة والفخر بما لا سعادة حقيقة فيه ، وليست السعادة الحقيقية إلا فيما يرجع إلى العلم والعمل ، أو إلى ما يعين عليهما من الأمور الخارجية . عن الحسن رضي الله عنه : لا تغرنك كثرة من ترى حولك ، فإنك تموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتحاسب وحدك .

/خ8